{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} الذي كان يسبب له مشاكل في نفسه ،وفي واقعه ،في تطلعه نحو مستقبله ،لأنه كان الإنسان الرساليّ الذي لم يتمرد من المواقع التي يريد الله له أن يكون فيها ،بل كان ذلك من موقع الاعتقاد بأن المهمة قد انتهت بالفشل ،من دون أن يكون لها بديل ،{وَكَذلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} الذين عاشوا الإيمان في روحيتهم وفي فكرهم وفي حياتهم فكراً وديناً ورسالة ودعوةً وموقفاً للحياة ،حيث أخلصوا لله العبادة .هؤلاء يتعهدهم الله برعايته فينجيهم من كل بلاء ،ويفتح لهم أبواب الرحمة من أوسع الآفاق الرحيمة المنطلقة بالعفو والرضوان .
وهكذا نستوحي من هذه القصة الخاطفة ،أن الله قد يبتلي الدعاة المؤمنين من عباده ورسله ،في ما يمكن أن يكونوا قد قصّروا فيه ،أو تهرّبوا منه من مسؤوليات ،وأن الداعية قد يضعف أمام حالات الفشل الأولى ،أو أوضاع الضغط القاسية ،أو مشاكل الظروف الصعبة ..،كنتيجةٍ لفكرةٍ انفعاليةٍ سريعةٍ أو لشعور حادٍّ غاضبٍ ،ثم يلطف الله بهم بعد أن يتراجعوا عن ذلك ويرجعوا إليه ،فينجيهم من بلائه ،ويحوطهم بنعمائه ،ويسبغ عليهم من ألطافه وآلائه ،لئلا يتعقّد الخطأ أو الانفعال في شخصيتهم ،لينطلقوا إلى الحياة من روحية الصفاء الروحي ،والنقاء الشعوري من جديد ،ليبدأوا الدعوة من حيث انتهوا ،ويتابعوا المسيرة بعزم وقوة وإخلاص .
ثم نلتقي مع الموقف المبدئي ،بالابتهالات الخاشعة الخاضعة لله المنطلقة من روحيّة الإحساس بالعبودية التي يشعر المؤمن معها بأن الله يلتقيه في مواقع الإنابة ،مهما كانت الخطايا والذنوب ،وأن الخطأ لا يتحوّل الى عقدٍة ،بل إلى فرصةٍ للقاء بالله من جديدٍ في مواقع التوبة الحقيقية الخالصة التي يبدأ فيها التائب تاريخاً جديداً وصفحة بيضاء من حياته .