{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} بعد أن بلغ به العمر مداه ،وكاد اليأس أن يأخذ منه مأخذاً ،{وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} في ما يشبه المعجزة الخارقة للعادة ،{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} التي كانت في سنٍّ لا يساعدها على الحمل .
{إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْراَتِ} لأن الخير لم يكن في حياتهم حالة طارئة ،أو انفعالاً سريعاً ،بل كان قيمةً روحيةً تتحرك في خط العقيدة وحركة الرسالة على أساس المسؤولية المنفتحة على الناس كلهم ،الذين يحتاجون الخدمات على كافة مستوياتها الفكرية والروحية والحياتية ...وبذلك كانت مواقع الخير فرصةً كبيرة ،تلامس الفرح الروحي في شخصيتهم ،كما لو كانت المسألة مسألة لذّة ،أو شهوةٍ ،أو منفعةٍ ،ولذا يسارعون إلى اغتنام الفرصة التي تفتح أبواب الخير أمامهم .
وكان هذا الخير الذي يتحرك في عمق شخصيتهم ،نتيجةً للإيمان بالله ،والانفتاح عليه ؛وهم يعتبرونه أساساً للمسؤولية في مواجهتهم لقضايا الحياة التي يريد الله لها أن تنطلق من قاعدة الخير وتتحرك في طريقه ،وتعيش في آفاقه ؛كما يريد لعباده أن يأخذوا به ،وينفتحوا عليه ،ويعملوا من أجل تأكيده كقيمة إنسانية رسالية مسؤولة ،وذلك في أجواء اللقاء الكامل بالله ،حتى يستلهم الإنسان روحيته في كل حال ،في أوقات الرغبة والرهبة ،لأن ذلك هو التعبير الحيّ عن الانشداد إلى الله في كل الأمور ،بحيث يشعر الإنسان بأن الله هو مصدر القوّة والحياة ،فليس هناك أيّ شيء ساكن أو متحرك في داخل شخصية الإنسان وفي خارجها إلاّ وهو مرتبط بالله ،محتاج إليه ،ما يوحي بالشمول في الإحساس بالعبودية المطلقة أمام الله .وهذا ما عاشه هؤلاء الذين يسارعون في الخيرات ،{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} لأن الدعاء هو الأساس في التعبير عن الحاجة ،بقطع النظر عن طبيعتها ،في ما يرجوه الناس أو يخافونه ،{وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} في رهافة الحس الايماني في حياتهم ،وفي عمق الشعور الروحي في ذواتهم ،وفي انسحاقهم أمام عظمة الله ،التي يتمثلونها في أفكارهم وقلوبهم .