في الآيات لون من ألوان الأدب الذي يحكم علاقة المؤمنين بالرسول ( ص ) ،وربما يشمل ذلك علاقة المؤمنين بكل القيادات الشرعية التي تحكم أمورهم لجهة ما يجب أن يكون عليه سلوك القاعدة مع القيادة في المهمّات الكبيرة التي تتعلق بالقضايا العامة ،سواء السلمية أو الحربية أو الأمنية أو الاجتماعية ،فلا بد لكل فرد في هذه الحال أن يضع نفسه تحت تصرف القيادة ،فلا يذهب إلى أيّ مكان ،ولا يغيب عن نظرها إلا بعد أن يأخذ الإذن منها في ذلك .
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وعاشوا هذا الإيمان في عمق الفكر والشعور وحركة الحياة ،في ما يفرضه من التزام بطاعة الله ومن انسجام مع شريعة رسوله ،من خلال ما تمثّله طاعة الرسول في الخط العام وفي مفردات الواقع ،إذ إن الإيمان ليس مجرد فكر يتحرك على مستوى المعادلات الفكرية ،بل هو فكر ينفتح على كل مفردات الحياة في حركة الإنسان ،{وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} يرتبط بالحياة العامة للناس جميعاً ويتصل بالسلم والحرب{لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} ليحدّد لهم مواقعهم داخل الساحة أو خارجها ،على ضوء حاجة الخطة لهم أو عدم حاجتها لهم .
تلك علامة إيمان تمثّل انضباطاً في الالتزام بالقيادة في تفاصيل الحركة الخاصة والعامة ،وذلك ما يؤكده قول الله:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} في الموقف العملي في خط الالتزام{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} في ما يريدون أن ينصرفوا إليه من شؤونهم الخاصة ،فادرس المسألة على أساس حاجة الخطة لذلك{فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} إذا رأيت أن الحاجة الاجتماعية ليست بالخطورة التي تفرض وجودهم معك ،وامنعها عمن تجد ضرورة وجوده معك{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} لما قد ينتابهم من شعور بالإثم لذهابهم عنك ،أو لما قد يدور في خاطر بعضهم من رغبة في الاحتيال عند طلب الإذن منك للخروج ،ثم يعود لنفسه لتستغفر له{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ،لأنه يعرف نقاط ضعفهم في ما قد ينحرفون فيه من الفكر والسلوك ،ثم يتراجعون طلباً للمغفرة والرحمة .