{بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ} وأنكروا الحساب ،فلم يتحركوا في مواقع الرفض والقبول ،والإيمان والكفر ،من الإحساس بالمسؤولية ،بل تحركوا من موقع اللهو واللعب واللامبالاة ،ما جعلهم لا يفكرون بالقضايا المصيرية ،في ما يتصل بالنبوّة من مسألة المصير ،بالطريقة الدقيقة التي تحسب حساب الواقع الجدّي للمسألة ،ليناقشوا طروحات النبي ،في ما يدعوهم إليه ،وفي ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه ،وفي ما يؤكد نبوّته ،بالأسلوب الفكري ،وبالمناقشة المتزنة .وهذا هو السرّ في مواقف الكثيرين الذين يهزلون في مواقع الجدّية ،ويسخرون في مجالات الحقيقة ،لأنهم لا يحسبون حساب النتائج السلبية على مستوى المصير ،في ما هو العقاب والجزاء ..{وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} لأنه لم ينطلق من فكرٍ يؤكد له ذلك ،بل انطلق من فقدان التوازن في البحث عن الحقيقة بالوسائل المعقولة للمعرفة ،من خلال ما تستقبله من أجوبة ومعلومات ،وبذلك أهملوا الحجة البالغة التي أقامها الله عليهم من حركة العقل في داخلهم ،وحركة النبوة في آيات الوحي في حياتهم ،فكان انحرافهم من دون حجة ،وعصيانهم من دون قاعدة ،وهذا هو سرُّ العذابدائماًالذي يتوعد الله به عباده الكافرين والعاصين ،لأنهم واجهوا المسألة بمنطق اللامبالاة التي أوقعتهم في الانحراف ،في الوقت الذي كانت الظروف الداخلية والخارجية في كيانهم وحياتهم منفتحة على الحقائق الإلهية في الإيمان والطاعة والاستقامة .