قوله تعالى:{بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار كذبوا بالساعة أي أنكروا القيامة من أصلها لإنكارهم البعث بعد الموت والجزاء ،وأنه جل وعلا اعتد أي هيأ وأعد لمن كذب بالساعة: أي أنكر يوم القيامة سعيراً: أي ناراً شديدة الحر يعذبه بها يوم القيامة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة{وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} يدل على أن التكذيب بالساعة كفر مستوجب لنار جهنم ،كما سترى الآيات الدالة على ذلك قريباً إن شاء الله تعالى .وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة ،وهما تكذيبهم بالساعة ،ووعيد الله لمن كذب بها بالسعير جاءا موضحين في آيات أخر ،أما تكذيبهم بيوم القيامة لإنكارهم البعث ،والجزاء بعد الموت ،فقد جاء في آيات كثيرة عن طوائف الكفار كقوله تعالى:{إِنَّ هَؤُلاَء لَيَقُولُونَ * إِنْ هي إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأوْلَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} [ الدخان: 34-35] وقوله تعالى:{مَن يُحيِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ} [ يس: 78] إلى غير ذلك من الآيات .
وأما كفر من كذب بيوم القيامة ووعيده بالنار ،فقد جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً ومَا نحنُ بمستيقنين} إلى قوله:{وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن نَّاصِرِينَ} [ الجاثية: 32-34] فقوله:{ومأواكم النار} بعد قوله:{قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} [ الجاثية: 32] الآية ،يدل على أن قولهم:{ما ندري ما الساعة} هو سبب كون النار مأواهم ،وقوله بعده{ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} [ الجاثية: 35] لا ينافي ذلك لأن من اتخاذهم آيات الله هزواً تكذيبهم بالساعة ،وإنكارهم البعث كما لا يخفى ،وكقوله تعالى:{وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإذَا كُنَّا تُرَابًا أَإنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغْلَالُ في أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} [ الرعد: 5] فقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة من سورة الرعد أن إنكارهم البعث ،الذي عبروا عنه باستفهام الإنكار في قوله تعالى عنهم{مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} جامع بين أمرين .
الأول منهما: أنه عجب من العجب لكثرة البراهين القطعية الواضحة الدالة على ما أنكروه .
والثاني منهما: وهو محل الشاهد من الآية أن إنكارهم البعث المذكور كفر مستوجب للنار وأغلالها والخلود فيها ،وذلك في قوله تعالى مشيراً إلى الذين أنكروا البعث{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغْلَالُ في أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} [ الرعد: 5] ومعلوم أن إنكار البعث إنكار للساعة ،وكقوله تعالى:{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [ طه: 16] أي لا يصدنك من لا يؤمن بالساعة عن الإيمان بها ،فتردى: أي تهلك لعدم إيمانك بها ،والردى الهلاك ،وهو هنا عذاب النار بسبب التكذيب بالساعة ،وقد قال تعالى:{وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [ الليل: 11] وقوله تعالى في آية طه هذه:{فترَدى} ،يدل دلالة واضحة على أنه إن صده من لا يؤمن بالساعة من التصديق بها ،أن ذلك يكون سبباً لرداه أي هلاكه بعذاب النار كما لا يخفى ،وكقوله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ في الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [ الروم: 16] فآية الروم هذه ،تدل على أن الذين كذبوا بلقاء الآخرة وهم الذين كذبوا بالساعة معدودون مع الذين كفروا وكذبوا بآيات الله ،وأنهم في العذاب محضرون .وهو عذاب النار .والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ} أظهر الأقوال فيه عندي أنه متصل بما يليه ،وأن بل فيه للإضراب الانتقالي ،وقد أوضحنا معنى السعير مع بعض الشواهد العربية في أول سورة الحج ،والعلم عند الله تعالى .