{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} إنهم لا يحركون أسماعهم في طريق المعرفة ،ولا يثيرون عقولهم في آفاق الحق ،من خلال الترابط بين السمع الذي ينقل الكلمة وبين العقل الذي يبلور الفكرة من خلالها بالتأمل والتفكير .
وربما كان هناك وجه آخر للحديث عن السمع أو العقل ،وهو ما ذكره صاحب الميزان في قوله: «والترديد بين السمع والعقل من جهة أنَّ وسيلة الإنسان إلى سعادة الحياة أحد أمرين ،إما أن يستقل بالتعقل فيعقل الحق فيتبعه ،أو يرجع إلى قول من يعقله وينصحه فيتبعه إن لم يستقل بالتعقل ،فالطريق إلى الرشد سمعٌ أو عقل ،فالآية في معنى قوله:{وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[ 1] [ الملك: 10]:
{إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالاَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} التي لا تعي أيّ معنى في الكلمة التي تسمعها ،فلا تثير فيها أيّ شيء .{بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} وذلك من ناحيتين: إحداهما: أن الأنعام لا تملك العقل الذي يمكن أن تهتدي به إلى معرفة الحق ،بينما يملك هؤلاء كل أدوات المعرفة ووسائلها ،فلا يعملون على الاهتداء بها .وثانيتهما ،أن الأنعام لا تمارس الأعمال التي تدرك ضررها ،بينما يقتحم هؤلاء ما يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم .