{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} فليست لك حرية اختيار الإِله الذي تعبده ،لأن اختيار عبادة غيري في الأرض التي أملكها وأستعبد أهلها وأشرف عليها من موقع الربوبية العليا ،تسيء إلى نظام المجتمع كله في قضية العبادة والطاعة والانقياد ،ولذا فإن الحرية الفردية التي تتيح لك أن تقول ما تريد أو تفعل ما تشاء ،تخضع لقيود النظام العام للأمة كلها ،فتسيء إلى الناس كلّهم ،فمن حق الرب الذي يدبّر أمور عباده أن يمنع الذين يسيئون للنظام ،ويعرضون السلامة العامة للخطر ،فلا بد لك من أن تتراجع عن دعوتك وعن التزامك وتبدّل مواقفك بالرجوع إلى عبادتي والاعتراف بألوهيتي ،وإلاَّ فمصيرك السجن الذي يتيح لك فرصة الاصطدام بالحقيقة ،في لحظات الهدوء التي تمنحك التفكير الواقعي في الأمور ،بعيداً عن الخيالات اللاّواقعية في قضايا الكون والحياة .
ولكن موسى لم يستسلم للتهديد ،فقد كانت رساليته تفرض عليه التنقل من جوٍّ إلى جوٍّ بطريقةٍ ذكيّةٍ ،تجعل الجميع مشدودين إلى آفاق الرسالة .فإذا كان فرعون يهدّده بالسجن ،فإنه يطرح عليه الآيات البّينات المنطلقة من عالم الغيب الدالّة على ارتباطه بقوّة الله ،مما لا يستطيعه أيّ بشرٍ مهما كانت قوته ،ليكون ذلك حركةً متقدمةً في التحدي بالقوّة أمام التهديد بالسجن من موقع القوة الفرعونية .