{وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ} لأنه لا يحقِّق شيئاً للكمال الإنساني في فكره وعمله ،بل يندفع بالكلام الباطل الذي لا جدوى منه ولا نفع فيه ،مما تعارف عليه الناس في أوقات فراغهم من لغو القول ،أو في ما يثيرونه في خلافاتهم من سقط الكلام من الهذر والسب والفحش وخشونة القول ،مما يدخل معه الإنسان في متاهات روحيةٍ واجتماعيةٍ .ولذا يبادر هؤلاء المؤمنون إلى مجابهة اللاّغين الذين يريدون أن يجروهم إلى معركةٍ كلاميةٍ أو إلى مشادّةٍ ذاتية ،بإغلاق الملف كله ،بالإعراض عن كل ما سمعوه من اللغو الباطل ..
{وَقَالُواْ لَنا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} فليتحمل كل واحدٍ منا مسؤولية عمله ،وليرض بنتائجه الإيجابية والسلبية ،فلن يحاسب أحدٌ منا على عمل الآخر ،إلا إذا قصّر في هدايته ،مع تمكنه من ذلك ،ولنترك الحديث الدائر بيننا إذا كان يؤدي إلى مشاجرةٍ ومباغضةٍ ،من دون فائدةٍ أو حاجةٍ إليه .
الافتراق على سلام
{سَلامٌ عَلَيْكُمْ} وتلك هي التحية المفتوحة على العلاقة الإنسانية ،التي يبسط فيها الإنسان الأمن من جانبه للإنسان الآخر ،فيُصدقه القول ،بأنه سيمارس معه علاقة السلام ،فلا يعتدي عليه في أيّ شيءٍ مما يحترمه الناس في حياتهم الخاصة من نفس أو مالٍ أو عرضٍ ..،وهذا هو أبلغ الأساليب في إنهاء العلاقة ،بالافتراق على كلمة السلام التي تجعل كل واحد آمناً على حياته عندما ينفصل عن اللقاء بالآخر ،فلا يحمل همّاً لعدوانٍ مقبل ،ولا يفكر بنوازع البغضاء .ولذلك جعلها الإسلام التحية التي تبدأ العلاقة بروح السلام ،وتنهي الموقف المعقَّد بروحيته أيضاً ،{لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} ولا نريد أن نعقد بينهم علاقة صداقة ،أو باب معاشرةٍ ،بل نريد أن نبتعد عنهم حتى لا نستغرق في جهلهم ،فنكون مثلهم ،وذلك هو الخلق العظيم .