{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} أي من الجهال .وهو كل ما حقه أن يلغى ويترك ،من العبث وغيره{ أَعْرَضُوا عَنْهُ أي تكريما للنفس عن ملابسة الأدنياء ،وتشريفا للسمع عن سقط باطلهم{ وَقَالُوا} أي لهم{ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي بطريق التوديع والمتاركة ؛ وعن الحسن رضى الله عنه:كلمة حلم من المؤمنين{ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} لا نريد مخالطتهم وصحبتهم ،ولا نريد مجازاتهم بالباطل على باطلهم .قال الرازي:قال قوم:نسخ ذلك بالأمر بالقتال .وهو بعيد .لأن ترك المسافهة مندوب .وإن كان القتال واجبا .
تنبيه:
قال ابن كثير عن سعيد بن جبير:( إنها نزلت في سبعين من القسيسين .بعثهم النجاشي .
فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم{[6002]}:{ يس * والقرآن الحكيم} حتى ختمها .فجعلوا يبكون وأسلموا ) .
وقال محمد بن إسحق في ( السيرة ):ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ،عشرون أو قريب من ذلك من النصارى ،حين بلغهم خبره من الحبشة .فوجدوه في المسجد .فجلسوا إليه وكلموه وسألوه .ورجال من قريش في أنديتهم .حول الكعبة .فلما فرغوا من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ،دعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن .فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع .ثم استجابوا لله وآمنوا به ،وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره .فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش .فقالوا لهم:خيبكم الله من ركب .بعثكم من ورائكم من أهل دينكم ترتادون لهم ،لتأتوهم بخير الرجل .فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال .ما نعلم ركبا أحمق منكم .أو كما قالوا لهم .فقالوا لهم:سلام عليكم .لا نجاهلكم .لنا ما نحن عليه ،ولكم ما أنتم عليه ،لم نأل أنفسنا خيرا .
قال:ويقال إن النفر النصارى من أهل نجران .فالله أعلم أي ذلك كان .
قال:ويقال ،والله أعلم ،إن فيهم نزلت هذه الآيات{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} إلى قوله{ لا نبتغي الجاهلين} .
قال:وسألت الزهري عن هذه الآيات فيمن نزلت ؟ قال:ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي وأصحابه رضي الله عنهم .والآيات اللاتي في سورة المائدة{[6003]}:{ ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا} إلى قوله{[6004]}:{ فاكتبنا مع الشاهدين} .