وقوله:( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) أي:لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم ، بل كما قال تعالى:( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) [ الفرقان:72] .
( وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) أي:إذا سفه عليهم سفيه ، وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه ، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب . ولهذا قال عنهم:إنهم قالوا:( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) أي:لا نريد طريق الجاهلين ولا نحبها .
قال محمد بن إسحاق في السيرة:ثم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة عشرون رجلا أو قريب من ذلك ، من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة . فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه - ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة - فلما فرغوا من مساءلة رسول الله عما أرادوا ، دعاهم إلى الله وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم:خيبكم الله من ركب . بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال ; ما نعلم ركبا أحمق منكم . أو كما قالوا لهم . فقالوا [ لهم] سلام عليكم ، لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا .
قال:ويقال:إن النفر النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أي ذلك كان .
قال:ويقال - والله أعلم - إن فيهم نزلت هذه الآيات:( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) إلى قوله:( لا نبتغي الجاهلين ) .
قال:وقد سألت الزهري عن هذه الآيات فيمن أنزلن ، قال:ما زلت أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه ، رضي الله عنهم ، والآيات التي في سورة المائدة:( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) إلى قوله:( فاكتبنا مع الشاهدين ) [ المائدة:82 ، 83]