{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم السابقة عندما أرسلنا إليهم الرسل وأنزلنا عليهم الكتب ،وعرّفناهم طريق الخطأ والصواب والضلال والهدى ،وجاءتهم الحياة الدنيا بكل زخارفها وبهارجها ،وحليتْ في أعينهم ،وعاشت في قلوبهم ،حتى بدأ البعض ينجذب إليها ،ويستغرق في شهواتها ،فتمردوا على الأنبياء ،وكذبوهم ،واضطهدوهم ،وقتلوا الكثيرين منهم ،وعاثوا في الأرض فساداً ،واستعبدوا الناس واستكبروا عليهم ،حتى أعلنوا أنفسهم آلهةً من دون الله .وبقيت هناك قلَّةٌ منهم ممن فهموا الدنيا على حقيقتها في مواقع المسؤولية التي تواجههم ،وتفتح قلوبهم على مواقع الخوف من الله ،والمحبة له ،وتوحي إليهم بأن الحياة رسالةٌ لا بد للإنسان من أن يحملها ،ويتحمَّل الكثير من الآلام في سبيلها .وكانت المسألة في ما بين هؤلاء وهؤلاء هي مسألة الصدق في العقيدة وفي الموقف ،ومسألة الكذب فيهما .وكان الله يريد للصادقين أن يظهروا في مواقفهم الحقيقية للناس ليقتدوا بهم ،كما يريد للكاذبين أن يظهروا في جوهرهم المزيّف ،ليتجنب الناس الاغترار بهم .
{فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وليس المراد حدوث العلم لله ،كما يوحي به التعبير ،لأن الله يعلم مستقبل الإنسان ،في ما يفعله عن سوء اختياره أو حسن اختياره ،وما لا يفعله كذلك ،قبل خلقه ،بل المراد ظهور المسألة للناس من خلال ملامح الصدق في سلوكهم العملي ،أو من خلال ملامح الكذب في ذلك ،فكان التعبير بمثابة استعارة كلمة العلم في تعلقها بالله على الطريقة التي تتعلق بها بالناس .