/ت133
ثُمَّ تفيض في تصوير الجزاء الأوفى الذي ينالونه عند اللّه [ أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربِّهم وجنَّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها] كنتيجةٍ لما قدّموه بين أيديهم من أعمال ،[ ونعم أجرُ العاملين] .
ونستوحي من هذه الآيات ،أنَّ عظمة الشخصية الإنسانية هي في امتزاج الجوانب الإنسانية والعملية والروحية ببعضها البعض ،لتمثِّل التوازن في حركة الشخصية وفاعليتها في الحياة ،بعيداً عن فكرة الجانب الواحد الذي قد يرى فيه بعض النَّاس مظهراً حيّاً من مظاهر التقييم ،كما نلاحظ في النماذج التي تتميّز بالروحية في العبادة إلى مستوى الفناء والذوبان في محبّة اللّه ،ولكنَّها تتميّزفي الجانب السلبيبالقسوة في المعاملة والعلاقة ،أو بالبخل في جانب العطاء ،أو بالانفتاح على المعاصي مع الإصرار ،أو بالانحرافات الاجتماعية في نطاق الكلمة والفعل والأسلوب ...فإنَّ ذلك الارتباك في طبيعة هذه الصفات يدلّ على وجود خللٍ في عمق الصفة الواحدة المتميّزة وابتعادها عن الأجواء الرحبة الطاهرة ،ذلك كلّه في نطاق الأوضاع الإسلامية السليمة ...
وتنتهي الآيات بما بدأت به من الحديث عن الجنّة والمغفرة كجزاءٍ على ما قدّموا من عمل في سبيل تقويم نفوسهم وتوجيهها إلى الالتزام بالخطّ الإيماني الذي يتحوّل إلى معاناةٍ وإحساسٍ وحركة حياةٍ من أجل الأفضل ،لتوحي للإنسان ،بأنَّ المسارعة إلى المغفرة والجنّة تبدأ من تربية الذات على الصفات الأصيلة التي تعمّق في الإنسان معنى إنسانيته وتحوّله إلى عنصرٍ خيّر تتحرّك فيه التَّقوى لتربطه باللّه من جهة ،وبالنَّاس من جهةٍ أخرى من خلال ارتباطه باللّه .