{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ} فلم تكن صفته بينكم هي صفة الأبوّة لزيد أو لغيره لتعترضوا في زواجه بأنه تزوّج زوجة ابنه ،لأن التبني في الرعاية والحفظ والحماية لا يمنحه تلك الصفة .هذا هو التفسير الذي درج عليه المفسرون ،ولكن قد نستطيع الاستيحاء من الآية بأن علاقة النبي بالناس ليست هي علاقة النسب التي تصل الابن بأبيه ،أو نحو ذلك ،لتتحدد أوضاعهم معه بذلك ،بل هي علاقة الرسالة ،فهو لا يملك صفة الأُبوّة فيهم{وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} فلا بد له من أن يتحرك معهم من هذا الموقع ،وفي هذا الخط ،ولا بد لهم من أن يرتبطوا به من خلال هذه الصفة ،فتكون علاقتهم به علاقةً رسالية ،ليتطلعوا إلى صفاته الرسالية قبل أن يتطلعوا إلى صفاته الشخصية ،ولا يكون النسب أساساً للتقييم في ارتباطهم به فيمن يتصلون به بصلة النسب ،بل يكون العمل المرتبط برسالته هو الأساس في معنى القيمة في حياتهم .
أمّا صفة خاتم النبيين ،فالظاهر أن المراد بها أنّه هو النبيّ الذي يختم خط النبوّة الذي ابتدأ من آدم ،لينتهي به ،وقد ورد ذلك ،في ما روي عن جابر بن عبد الله عن النبي محمد( صلى الله عليه وسلّم ) قال: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى داراً فأتمها وأكملها إلاَّ موضع لبنة ،فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ،ويقولون: لولا موضع اللبنة ،قال رسول الله( صلى الله عليه وسلّم ): فأنا موضع اللبنة ،جئت فختمت الأنبياء ،أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما[ 2] .
وهناك رواية أخرى رواها السيوطي في الدر المنثور ،أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي عبد الرحمن السلميّ قال: كنت أقرىء الحسن والحسين ،فمر بي علي بن أبي طالب وأنا أقرئهما ،فقال لي: أقرئهما{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بفتح التاء[ 3] .
والرواية الأولى أقرب وأشهر ،لأن التعبير عن النبي بأنه خاتمهم بمعنى زينتهم ،كما هو الخاتم من مظاهر الزينة ،غير مألوفعلى الظاهروالله العالم .
{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً} وهو الذي يبلغكم ما علمه ،فانفتحوا على آياته وانطلقوا مع كل ما يبينه لكم من أمور معاشكم ومعادكم .