وقوله:( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) ، نهى [ تعالى] أن يقال بعد هذا:"زيد بن محمد "أي:لم يكن أباه وإن كان قد تبناه ، فإنه ، صلوات الله عليه وسلامه ، لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم; فإنه ولد له القاسم ، والطيب ، والطاهر ، من خديجة فماتوا صغارا ، وولد له إبراهيم من مارية القبطية ، فمات أيضا رضيعا ، وكان له من خديجة أربع بنات:زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، رضي الله عنهم أجمعين ، فمات في حياته ثلاث وتأخرت فاطمة حتى أصيبت به ، صلوات الله وسلامه عليه ، ثم ماتت بعده لستة أشهر .
وقوله:( ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ) كقوله:( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام:124] فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده ، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول [ بعده] بطريق الأولى والأحرى; لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة ، فإن كل رسول نبي ، ولا ينعكس . وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة .
قال الإمام أحمد:حدثنا أبو عامر الأزدي ، حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها ، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها ، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ، ويقولون:لو تم موضع هذه اللبنة ؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة ".
ورواه الترمذي ، عن بندار ، عن أبي عامر العقدي ، به ، وقال:حسن صحيح .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا المختار بن فلفل ، حدثنا أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الرسالة والنبوة قد انقطعت ، فلا رسول بعدي ولا نبي . "قال:فشق ذلك على الناس قال:قال:ولكن المبشرات ". قالوا:يا رسول الله ، وما المبشرات ؟ قال:"رؤيا الرجل المسلم ، وهي جزء من أجزاء النبوة ".
وهكذا روى الترمذي عن الحسن بن محمد الزعفراني ، عن عفان بن مسلم ، به وقال:صحيح غريب من حديث المختار بن فلفل .
حديث آخر:قال أبو داود الطيالسي:حدثنا سليم بن حيان ، عن سعيد بن ميناء ، عن جابر بن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة ، فكان من دخلها فنظر إليها قال:ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة! فأنا موضع اللبنة ، ختم بي الأنبياء ، عليهم السلام ".
ورواه البخاري ، ومسلم ، والترمذي من طرق ، عن سليم بن حيان ، به . وقال الترمذي:صحيح غريب من هذا الوجه .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:مثلي ومثل النبيين [ من قبلي] كمثل رجل بنى دارا فأتمها إلا لبنة واحدة ، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة ". انفرد بإخراجه مسلم من رواية الأعمش ، به .
حديث آخر:قال [ الإمام] أحمد:حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عثمان بن عبيد الراسبي قال:سمعت أبا الطفيل قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا نبوة بعدي إلا المبشرات ". قال:قيل:وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال:"الرؤيا الحسنة - أو قال - الرؤيا الصالحة . "
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه قال:هذا ما حدثنا أبو هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها وأكملها وأجملها ، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها ، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان ويقولون:ألا وضعت هاهنا لبنة فيتم بنيانك ؟! "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فكنت أنا اللبنة ".
أخرجاه من حديث عبد الرزاق .
حديث آخر:عن أبي هريرة أيضا:قال الإمام مسلم:حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر قالوا:حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"فضلت على الأنبياء بست:أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون ".
ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث إسماعيل بن جعفر ، وقال الترمذي:حسن صحيح .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثلي ومثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى دارا فأتمها إلا موضع لبنة واحدة ، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة ".
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي كريب ، كلاهما عن أبي معاوية ، به .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد الكلبي ، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي ، عن العرباض بن سارية قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته . "
حديث آخر:قال الزهري:أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، رضي الله عنه ، قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن لي أسماء:أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي . "أخرجاه في الصحيحين .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عبد الرحمن بن جبير قال:سمعت عبد الله بن عمرو يقول:خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع ، فقال:"أنا محمد النبي الأمي - ثلاثا - ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه ، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش ، وتجوز بي ، وعوفيت وعوفيت أمتي; فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ". تفرد به الإمام أحمد .
ورواه [ الإمام] أحمد أيضا عن يحيى بن إسحاق ، عن ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عبد الله بن مريج الخولاني ، عن أبي قيس - مولى عمرو بن العاص - عن عبد الله بن عمرو فذكر مثله سواء .
والأحاديث في هذا كثيرة ، فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، إليهم ، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به ، وإكمال الدين الحنيف له . وقد أخبر تعالى في كتابه ، ورسوله في السنة المتواترة عنه:أنه لا نبي بعده; ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك ، دجال ضال مضل ، ولو تخرق وشعبذ ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرجيات ، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب ، كما أجرى الله ، سبحانه وتعالى ، على يد الأسود العنسي باليمن ، ومسيلمة الكذاب باليمامة ، من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ، ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان ، لعنهما الله . وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال ، [ فكل واحد من هؤلاء الكذابين] يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها . وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه ، فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا على سبيل الاتفاق ، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره ، ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم ، كما قال تعالى:( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ) الآية [ الشعراء:221 ، 222] . وهذا بخلاف الأنبياء ، عليهم السلام ، فإنهم في غاية البر والصدق والرشد والاستقامة [ والعدل] فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه ، مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات ، والأدلة الواضحات ، والبراهين الباهرات ، فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسماوات .