{وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ} فليس له أن يقهر أحداً على اعتناق فكرةٍ معينة ،أو يجبر أحداً على سلوك طريقٍ معين ،فللإنسان حريته في اختياره ،من خلال ما يملكه من عقلٍ وإرادة .وكما الإرادة تخضع لتوجيهات العقل والإيمان ،فقد تميل إلى الشهوات المحرمة التي يثيرها إبليس بوسوسته وتزيينه وإثارته للإغراء في أكثر من موقعٍ للإنسان ،ليقف الناس بين الحق والباطل ،والخير والشرّ ،وليعيشوا حركة الاهتزاز في عملية الاختيار ،ولم يكن ذلك{إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخرةِ} على أساس الالتزام بالعمق الفكري للمسألة الذي يضع الإيمان بالآخرة في نصابها الصحيح من موقعها في ساحة الحقيقة ،ومن اعتبارها أساساً لإبعاد الوجود الإنسانيوفق إرادة اللهعن دائرة العبث{مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} لخضوعه للاهتزاز الفكري المشدود إلى اهتزاز الحسّ في مألوفاته وفي غرائزه وشهواته ،فلا يستقر على رأي ،ولا يطمئن إلى موقف ،{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ} لا يفوته أيُّ شيء مما يحدث في الكون ،ولا مما يفكر به الإنسان .
وقد توحي كلمة{لِنَعْلَمَ} بأن تحريك الشيطان للدخول في مشاعر الإنسان ،يستهدف أن يعلم الله المؤمنين من الشاكّين ،ما يعني أن الله يحتاج إلى بعض الوسائل العملية التي تعرِّفه خفايا الناس ،وهو أمر لا تقرّه العقيدة الإيمانية التي تعتقد بأن الله عالمٌ بكل شيء ،فكل شيء حاضرٌ لديه بشكلٍ مطلق ،ولكن الظاهر أن المراد به لنظهر المؤمن من الشاكّ ،باعتبار أن ذلك سبيلٌ للإظهار الذي هو سبب العلم من حيث طبيعة الأشياء ،لا على أساس علم الله .