{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي} ما يمكن أن يخطر في بالي مما لا ينسجم مع رضاك أو مما قد أنحرف فيه من سيئات عملي ،مما لا عصمة لي فيه إلا من خلال رعايتك وحمايتك لي من كل شيطان يغريني ،وعدوٍّ يضلّني ويغويني ،{وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} فأملك القوّة المسيطرة التي أستخدمها برعايتك وبرضاك وبقوتك ،لأستطيع من خلالها الامتداد في سلطة الإيمان المستمدة منك في نطاق هذا الملك ،بما لا يملك أحدٌ أن يقهرني به ،بينما أستطيع قهر الآخرين به ممن لا يستجيب لدعوتك ولا يعمل في خط رضاك .
وهذا الملك الذي يطلبه سليمان ،لا ينطلق من حالةٍ ذاتيةٍ تتطلب تغذية العنصر الأناني في شخصيته ،أو تقوية التحرك العدواني في سلطته ،لأن روحيته في طلبه هذا ،هي روحية المؤمن الرسالي الذي يرجع إلى الله ويخضع له ويستغفره وينفتح عليه ،ويرجوه في كل رغباته مما لا يبتعد عن رضاه .وفي ضوء ذلك ،فإن تحديده الملك بأنه لا ينبغي لأحد من بعده ،لا يتحرك في دائرة منع غيره من مثله ،بل في نطاق تميزه بخصوصيةٍ نوعيّةٍ تشتمل على الخوارق المعجزة ،ما يوحي بكرامة الله له ،وعنايته به ،بما يميّز الله به بعض عباده على بعضٍ .