{أَأنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا} كان هذا هو الاستفهام الإنكاري الذي أطلقه المشركون من قريش ،حيث استغربوا إنزال الوحي على رسول الله( ص ) ،وعدم إنزاله على غيره ممن هو أكثر منه مالاً وقوّةً وموقعاً في المجتمع الطبقي في مكة ،ولكن الله يرد عليهم بطريقةٍ تتناسب مع الجو العدواني الذي أوجدوه ،ليؤكد حقيقة الواقع الداخلي من جهة ،وليحدّد ملامح هذا الاستهتار الكلامي في مواقفهم ،{بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي} في ما تثيره الأوهام المعقّدة في أفكارهم من شكوك وشبهات ،مما لا يتوقفون عنده ليفكروا فيه ،وليناقشوا مفرداته ،وليدخلوا في حوار حوله مع النبي محمد( ص ) ،من أجل الوصول إلى قناعةٍ مخالفةٍ أو موافقةٍ تنطلق من فكرٍ خاضعٍ للحجة القوية ،ولكن المسألة التي تفرض نفسها على الموقف ،هي حالة الاسترخاء الفكري أو العملي التي يستغرقون فيها ،فما كان يحيط بهم لا يكلفهم دفع أيّة ضريبةٍ من أمنهم وراحتهم ومصيرهم .{بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} فهم يشعرون بالأمن الممتد في حياتهم فلا يخافون من الخطر الداهم ،فإذا ذاقوا العذاب ،فكروا بطريقةٍ أخرى ،وواجهوا الموقف بروحيّةٍ مختلفة .