{ أأنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا} أي:مع أن فينا من هو أثرى وأعلى رياسة .قال الزمخشريّ:أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم ،وينزل عليه الكتاب من بينهم كما قالوا:{ لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} ،وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد ،على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم{ بل هم في شك من ذكري} إضراب عن مقدّر .أي:إنكارهم للذكر ليس عن علم ، بل هم في شك منه .يقولون في أنفسهم:إمّا وإمّا{ بل لما يذوقوا عذاب} أي على الإنكار .فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد ،وصدقوا .وتصديقهم لا ينفعهم حينئذ لأنهم صدقوا مضطرين .
قال الناصر في ( الانتصاف ):ويؤخذ منه أن ( لما ) لائقة بالجواب .وإنما ينفى بها فعل يتوقع وجوده .كما يقول سيبويه .وفرق بينها وبين ( لم ) بأن ( لم ) نفي لفعل يتوقع وجوده لم يقبل مثبته ( قد ) .و ( لما ) نفي لما يتوقع وجوده أدخل على مثبته ( قد ) .
وقال:وإنما ذكرت ذلك لأني حديث عهد بالبحث في قوله عليه الصلاة والسلام:( الشفعة فيما لم يقسم ) .فإني استدللت به على أن الشفعة خاصة بما يقبل القسمة .فقيل لي:إن غايته أنه أثبت الشفعة فيما نفي عنه القسمة .فإما لأنها لا تقبل قسمة ،وإما أنها تقبل ولم تقع القسمة ،فأبطلت ذلك بأن آلة النفي المذكورة ( لم ) ومقتضاها ،قبول المحل الفعل المنفيّ وتوقع وجوده .ألا تراك تقول:الحجر لا يتكلم .ولو قلت:الحجر لم يتكلم ،لكان ركيكا من القول ،لإفهامه قبوله للكلام .انتهى .وهو لطيف جيد .