{لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} ممّا ينسبه إليه هؤلاء المتخلفون الغارقون في أوهام التصورات السخيفة{لاَّصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} أي لاختار مما يخلق من خلقه من يشاء بالصورة التي تتناسب مع عظمته ،كما تتناسب وصفات مبدعه الذي ينتسب إليه ،ولم يترك الأمر لتصورات الناس وأوهامهم ،ولكن هذا الأمر غير وارد في عمق العقيدة ،لأن النبوّة لا معنى لها في ذات الله ،فهي تعبّر عن الحاجة والتجسّد واشتراك الولد في بعض صفات الرب{سُبْحَانَهُ} فهو المتعالي في عظمته ،والمنزّه عن هذه الأمور ،فليس لأحدٍ أن ينسب إليه ذلك لأنه{هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الذي لا يشاركه أحد في صفاته ،فهو الواحد في ذاته ،وصفاته التي تمثل الوحدة من الذات ،هي عين ذاته ،والذي يقهر بقوته كل شيءٍ ،فلا حاجة به إلى أحد في دائرة الشريك أو في دائرة الولد .وهكذا يجري أسلوب الآية ليطرح المسألة بالأسلوب الجدليّ ،الذي لا حقيقة له لامتناعه في طبيعته ،لأن الألوهية المطلقة لا تتناسب مع هذه التصورات .
وقد يخطر بالبال أن يكون المعنى جارياً على نفي الولد بالتأكيد على أن كل شيء مخلوقٌ له ومنفعلٌ به ،وليسهومنفعلاً بأيّ شيء في ما تقتضيه الولدية من انفعال الأب بالولد ،من ناحيةٍ جسدية ،أو من ناحيةٍ عاطفية ،فهو منفصلٌ عن كل مخلوقاته ،فإذا أراد اصطفاء أحدٍ وتكريمه وتقريبه إليه لحكمةٍ يراها في علمه ،فإنه يصطفيه ممن يشاء من خلقه ،فيمن يخلقه منهم ،لا من خلال والديّته له بأيّ معنى كانت النسبة المذكورة .
ولعلّ الأساس في هذا الاحتمال في معنى الآية ،هو أن هناك اختلافاً بين معنى الولد وبين معنى الاصطفاء من مخلوقاته ،ما لا يجعل الجزاء متناسباً مع الشرط ،لأنه لا يصلح أن يكون نتيجةً له ومسبباً عنه ،فلا بد من أن يكون هناك نوعٌ من تصوير الامتناع في ذلك في سياق الكلمة والتركيز على جانب الاصطفاء كبديل له ،وربما كان هذا الاحتمال هو الذي أراده صاحب تفسير الكشاف بقوله: «يعني لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ولم يصح لكونه محالاً ،ولم يتأتّ إلا أن يصطفي من خلقه بعضهم ،ويختصهم ويقرّبهم كما يختص الرجل ولده ويقرّبه ،وقد فعل ذلك بالملائكة فافتتنتم به وغرّكم اختصاصه إياهم ،فزعمتم أنهم أولاده جهلاً منكم به وبحقيقته المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض .كأنه قال: لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما يشاء من خلقه ،وهم الملائكة ،إلاّ أنكم لجهلكم به ،حسبتم اصطفاءهم اتخاذهم أولاداً ،ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم ،فجعلتموهم بناتٍ ،فكنتم كذا بين كفاراً مبالغين في الافتراء على الله وملائكته غالين في الكفر » والله العالم .