{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} وهذا هو الذي يريد الله للمؤمن أن يفكر فيه ويعيشه ،في كل ما يتحرك فيه من عمل صالح ،مما يشقّ عليه أمره ويجهده ثقله وتشتد عليه مؤونته ،فإن الله الذي وعد المؤمن بالأجر والثواب على ذلك كله ،لا يمكن أن يظلمه مثقال ذرة مما عمله ،فلا يمنعه حقه الذي فرضه على نفسه ،بل إن الله لا يكتفي بالثواب الموعود الذي يستحقه على العمل ،وإنما يضاعف الحسنات بدرجات متفاوتة ،تبعاً لطبيعة الحسنة في حجمها ومدلولها ،ويؤتي العاملين الصالحين أجراً عظيماً ،لا يستطيعون أن يدركوا كنه عظمته ،لأنه العارف بما يقدّر للإنسان من شؤون الرزق والثواب وهو أرحم الراحمين .
أما الأساس في نفي الظلم عن الله سبحانه ،فلأنه ليس بحاجة إليه كما قد يحتاجه الناس تجاه بعضهم البعض أحياناً ،لأن الظلم قد ينشأ من الجهل بحدود الحقوق العامة والخاصة للناس ،وقد ينشأ عن الحاجة إلى الناس في ما يملكونه ،فيظلمهم باغتصابه لملكيتهم ومصادرته لها لتلبية حاجته إليها ،وقد يكون ناشئاً عن عقدة نقص في النفس ...وهذا كله لا معنى له عند الله ،لأنه العالم بكل شيء ،فلا يغيب عنه شيء من شؤون خلقه ،لأنه المحيط بكل الخلق في وجودهم وفي تفاصيل هذا الوجود ،وهو الغني عن كل أحد ،لأنه هو الذي يملك كل شيء ويكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء ،وهو الذي اتصف بالكمال المطلق ،فلا يقترب النقصبسيطاً أو مركباًمن ذاته المقدّسة ،وهو القوي الذي يملك القوة جميعاً فلا موقع للضعف في وجوده ،والظلم مظهر ضعف ،لأن القويّ لا يحتاج إلى أن يظلم أحداً ،فهو الذي يتصرف بكل حكمةٍ في كل خلقه ،وهو الذي يعطي لكل ذي حق حقه ،وهو الذي جعل الحق لصاحب الحق .