{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً ..} إنها المحكمة العادلة في يوم القيامة ،التي يقف فيها الناس أمام الله بكل أعمالهم الخيّرة والشريرة ليحاسبهم على أعمالهم ،وهو العالم بكل ما عملوه مما أسرّوه وأعلنوه ،ولكنه يقدم إليهم صحائف أعمالهم وشهداء اختارهم في كل أمة ،ليكونوا الشهداء على الناس في إقامة الحجة عليهم من الله في ما عملوه وما لم يعملوه ،ومنهم الأنبياء والأوصياء والصديقون والعلماء والصالحون المبلّغون… أما هذه الأمة المسلمة فإن الرسول محمد( ص ) هو الذي جعله الله شاهداً على أمته ،لأنه بلّغ رسالته كما لم يبلّغها نبيّ ،وجاهد من أجلها كما لم يجاهد رسول ؛وترك للأمة من بعده من يحفظ لها أمر الرسالة ،ويركز لها قواعد الدين .فماذا يعمل هؤلاء المنحرفون غداً ،إذا وقف الشهداء بين يدي الله ليشهدوا ،ووقف النبي أمام أمته ليشهد ،ليبطلوا حجة كل منحرف وكافر ومنافق ،كيف يجيبون الله ؟وبماذا يدافعون عن أنفسهم ؟
وقد ذكر بعض المفسرين أن النبي يشهد على شهداء الأمم السابقة كما يشهد على أمته ،وذلك بأن تكون الإشارة بكلمة ( هؤلاء ) إلى شهود الأمم السابقة ،بمعنى أننا نجعلك شهيداً على شهداء الأمم من الأنبياء ،وفي ضوء ذلك يكون كل نبي شاهداً على أعمال أمته جميعها في حياته وبعد مماته عن طريق المشاهدة الباطنية والروحانية ،وهذا المعنى ينطبق على النبي محمد( ص ) ،فإن روحه الطاهرة ناظرة إلى أعمال أمته وجميع الأمم السابقة ،وبهذا يمكنه أن يشهد على أعمالهم وأوضاعهم ،ولكن هذا الرأي خلاف الظاهر لأن كلمة ( هؤلاء ) ظاهرة في المسلمين الذين كانوا يمثلون الحضور الوجودي أمام النبي( ص ) ولا سيّما بلحاظ ما قبلها{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} ،حيث إن النبي المرسل في كل أمة هو الشهيد عليها ،بحيث تكون له صفة النبوة والشهادة ،فلم يكن النبي( ص )في دلالة الآيةبدعاً من الأنبياء في ذلك كله ،كما أن الحوار الذي أداره الله في القرآن مع السيد المسيح( ع ) ينفي ذلك ،وذلك هو قوله تعالىفي جواب سؤال الله له:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ} مما يدلّ على أن النبي لا يقوم بالشهادة بعد وفاته ،فلا يتحمل مسؤولية تقديم تقرير الله بذلك .