/م40
41- فكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا .أي: إذا كان الله لا يضيع من عمل العاملين مثقال ذرة ،فكيف يكون الناس إذا جمعهم الله وجاء بالشهداء عليهم وهو أنبياؤهم ؟!فما من أمة إلا لها بشير ونذير .
وهذه الشهادة عبارة عن عرض أعمال الأمم على أنبيائهم ( لا فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين ) ومقابلة عقائدهم ،وأخلاقهم ،وأعمالهم بعقائد الأنبياء ،وأعمالهم ،وأخلاقهم ،فمن شهد لهم بينهم بأنهم على ما جاء به وما أمر الناس بالعمل به ؛فهم ناجون ،ومن تبرأ منهم أنبياؤهم لمخالفة أعمالهم وعقائدهم لما جاءوا به ؛فأولئك هم الخاسرون وإن ادعوا إتباعهم والانتماء إليهم .
وقوله: وجئنا بك على هؤلاء شهيدا .يراد به شهادة محمد صلى الله عليه وسلم- خاتم المرسلين – على أمته كما قال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .أي: إن هذه الأمة بحسن سيرتها ؛تكون شهيدة على الأمم السالفة وحجة عليها في انحرافها عن هدى المرسلين ،والرسول صلى الله عليه وسلم بسيرته وأخلاقه الغالية وسننه المرضية ؛يكون حجة على من تركها وتساهل في إتباعها وعلى من تغالى فيها ،وابتدع البدع المحدثة من بعده .
روى البخاري ،والترمذي ،والنسائي وغيرهم من حديث ابن مسعود أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''اقرأ على .قلت: يا رسول الله أقرأ عليك ،وعليك أنزل ؟!قال: نعم أحب أن أسمعه من غيري ،فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ... الخ ،فقال: '' حسبك الآن'' فإذا عيناه تذرفان ! ''{[8]} .
فانظر كيف اعتبر بهذه الشهادة الشهيد الأعظم صلى الله عليه وسلم فبكى لتذكر هذا اليوم ،وهل نعتبر كما اعتبر ونستعد لهول ذلك اليوم ؛بإتباع سنته ونجتهد في اجتناب البدع والتقاليد التي لم تكن في عهده ؛وبذا نكون أمة وسطا لا تفريط عندها في الدين ولا إفراط ،لا في الشئون الجسيمة ولا في الشئون الروحية ،أو نظل في غوايتنا ،تقليدا للآباء ؛لنكون كما قال الكافرون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقتَدُونَ .( الزخرف:22 ) .