{إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ} هذا هو الإسلام في كلمةٍ مختصرة تحدد المنطلق والأفق وخط السير ،فالتوحيد هو المنطلق الذي يوصل الإنسان بآفاق الله الذي ابتدأ الوجود بكلمته ،وعاش كل حركته وامتداده بحكمته ونعمته ،وأوحى للإنسان بالرسالة المنفتحة على الحياة كلها برحمته ..وفتح لفكره وروحه وشعوره مطالع الشروق ،في إيحاءات الحق بعلمه ومعرفته ،ورعاه في كل مواقع الحركة في داخل وعيه ،وخارج ذاته ،بلطفه وقوّته ..
وهكذا تنطلق بداية خط السير من الله لتطل على الأفق الواسع الممتد الذي يشمل الحياة كلها ،بكل قضاياها ومشاكلها ووسائلها وأهدافها ،وأفراحها وأحزانها وخطوطها المتحركة في أكثر من اتجاه ،ليكون الله هو النور الذي يشرق في كل فكرةٍ ،وفي كل عاطفةٍ ،وفي كل منهجٍ ،وفي كل علاقةٍ وخطّةٍ ،ويكون الإنسان على نورٍ من ربّه في كل مرحلةٍ من مراحل الطريق .
وهكذا كان الاعتراف بالله وبوحدانيته هو الذي يحدد للإنسان وجهة السير ،ثم تكون استقامته على الخط ذاك بحيث لا ينحرف ذات اليمين وذات الشمال ،ولا يلتفت إلى أيّ شخصٍ مهما كانت عظمته وقدرته ،ولا ينتمي إلى أيّ تيار مهما كانت إغراءاته ،على مستوى الشريعة والسياسة والاقتصاد والعلاقات الشخصية ،فلا شريعة له إلا شريعة الله ،ولا سياسة له إلا السياسة التي تنسجم مع العناوين التي يرضاها الله ،ولا اقتصاد إلا في حدود الحلال والحرام ،ولا علاقات شخصية بالآخرين إلا إذا كانت في طريق الله ،بحيث يكون ارتباطه بالناس من خلال الله ،وهكذا لا يجد الإنسان غير الله في كل أموره ..
إنه خط التوحيد ،والاستقامة في اتجاهه ،التي تختصر الرسالة في كل تفاصيلها المتعلقة بالحياة والناس ،باعتبار أن تلك التفاصيل هي المضمون العمليّ الذي يجسد التوحيد الخالص .
ملائكة الرحمن تتولّى الموحِّدين المستقيمين
..إن هؤلاء الذين يعيشون الالتزام بهذا العمق ،وهذه الاستقامة{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} عندما يواجهون موقف يوم القيامة{أَلاَّ تَخَافُواْ} من أهوال الحشر ومن سوء العذاب ،{وَلاَ تَحْزَنُواْ} من النتائج السلبية التي قد يلاقيها العباد في هذا اليوم الصعب وما قد يصيبهم من آلام ومشاكل ،لأنكم في منجًى من ذلك كله ،{وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فها هي الجنة الموعودة أمامكم بكل نعيمها وسعادتها ولذاتها ومشتهياتها ،وبكل ما تحتويه من ألطاف الله ورضوانه الذي يشيع في الروح الطمأنينة والاستقرار .