قول تعالى:( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) أي:أخلصوا العمل لله ، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم .
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي:حدثنا الجراح ، حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري ، حدثنا سهيل بن أبي حزم ، حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال:قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية:( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها .
وكذا رواه النسائي في تفسيره ، والبزار وابن جرير ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن سلم بن قتيبة ، به . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الفلاس ، به . ثم قال ابن جرير:
حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن سعيد بن نمران قال:قرأت عند أبي بكر الصديق هذه الآية:( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) قال:هم الذين لم يشركوا بالله شيئا .
ثم روي من حديث الأسود بن هلال قال:قال أبو بكر ، رضي الله عنه:ما تقولون في هذه الآية:( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ؟ قال:فقالوا:( ربنا الله ثم استقاموا ) من ذنب . فقال:لقد حملتموها على غير المحمل ، ( قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) فلم يلتفتوا إلى إله غيره .
وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وغير واحد .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو عبد الله الظهراني ، أخبرنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال:سئل ابن عباس ، رضي الله عنهما:أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله:( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) على شهادة أن لا إله إلا الله .
وقال الزهري:تلا عمر هذه الآية على المنبر ، ثم قال:استقاموا - والله - لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) على أداء فرائضه . وكذا قال قتادة ، قال:وكان الحسن يقول:اللهم أنت ربنا ، فارزقنا الاستقامة .
وقال أبو العالية:( ثم استقاموا ) أخلصوا له العمل والدين .
وقال الإمام أحمد:حدثنا هشيم ، حدثنا يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن سفيان الثقفي ، عن أبيه ; أن رجلا قال:يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال:"قل آمنت بالله ، ثم استقم "قلت:فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه .
ورواه النسائي من حديث شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به .
ثم قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، حدثني ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال:قلت:يا رسول الله ، حدثني بأمر أعتصم به . قال:"قل ربي الله ، ثم استقم "قلت:يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرف لسان نفسه ، ثم قال:"هذا ".
وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث الزهري ، به . وقال الترمذي:حسن صحيح .
وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال:قلت:يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال:"قل آمنت بالله ، ثم استقم "وذكر تمام الحديث .
وقوله:( تتنزل عليهم الملائكة ) قال مجاهد ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وابنه:يعني عند الموت قائلين:( ألا تخافوا ) قال مجاهد ، وعكرمة ، وزيد بن أسلم:أي مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ، ( ولا تحزنوا ) [ أي] على ما خلفتموه من أمر الدنيا ، من ولد وأهل ، ومال أو دين ، فإنا نخلفكم فيه ، ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير .
وهذا كما في حديث البراء ، رضي الله عنه:"إن الملائكة تقول لروح المؤمن:اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان ".
وقيل:إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم . حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، والسدي .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد السلام بن مطهر ، حدثنا جعفر بن سليمان:سمعت ثابتا قرأ سورة "حم السجدة "حتى بلغ:( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ) فوقف فقال:بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا ، فيقولان له:لا تخف ولا تحزن ، ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) قال:فيؤمن الله خوفه ، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين ؛ لما هداه الله ، ولما كان يعمل له في الدنيا .
وقال زيد بن أسلم:يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث . رواه ابن أبي حاتم .
وهذا القول يجمع الأقوال كلها ، وهو حسن جدا ، وهو الواقع .