التّفسير
نزول الملائكة على المؤمنين الصامدين:
يعتمد القرآن الكريم في أسلوبه وضع صور متقابلة ومتعارضة للحالات التي يتناولها كي يوضحها بشكل جيد من خلال المقايسة والمقارنة فبعد أن تحدث عن المنكرين المعاندين الذين يصدون عن آيات اللّه ،وأبان جزاءهم وعقوبتهم ،بدأ الآن ( في الصورة المقابلة ) في الحديث عن المؤمنين الراسخين في إيمانهم ،وأشار إلى سبعة أنواع من الثواب الذي يشملهم جزاء ومثوبة لهم .
يقول تعالى:( انّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا ) .
إنّه تعبير جميل وشامل يتضمّن كلّ الخير والصفات الحميدة ،فأولا يوجّه القلب إلى الله ويوثق الإيمان به تعالى ويقويه ،ثمّ سيطرة هذا الإيمان وهيمنته على كلّ مرافق الحياة ،وثبات السير في هذا الطريق ؛طريق الاستقامة{[4025]} .
هناك الكثير من الذين يدّعون محبة الله ،إلاّ أنّنا لا نرى الاستقامة واضحة في عملهم وسلوكهم ،فهم ضعفاء وعاجزون بحيث عندما يشملهم طوفان الشهوة يودّعون الإيمان ويشركون في عملهم ؛وعندما تكون منافعهم في خطر يتنازلون عن إيمانهم الضعيف ذلك .
ففي حديث عن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه بعد أن تلا الآية قال: «قد قالها الناس ثمّ كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها »{[4026]} .
وفي نهج البلاغة يفسّر الإمام علي ( عليه السلام ) هذه الآية بعبارات حيّة وناطقة عميقة المعنى يقول ( عليه السلام ): «وقد قلتم «ربنا الله » فاستقيموا على كتابه ،وعلى منهاج أمره ،وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ،ثمّ لا تمرقوا منها ،ولا تبتدعوا فيها ،ولا تخالفوا عنها »{[4027]} .
وفي مكان آخر نرى أنّ الإمام علي بن موسى الرضا( عليه السلام ) أجاب في تفسير معنى الاستقامة بقوله: «هي والله ما أنتم عليه »{[4028]} .
وهذا لا يعني أنّ الاستقامة تختص بالولاية فقط ،بل إنّ قبول قيادة أئمّة أهل البيت( عليهم السلام ) سيضمّن بقاء خط التوحيد ،والطريق الإسلامي الأصيل ،واستمرار العمل الصالح ،وهذا هو تفسيره( عليه السلام ) لمعنى الاستقامة .
وخلاصة القول أن قيمة الإنسان هي بالإيمان والعمل الصالح ،وهذه القيمة يتحدث عنها الله تبارك وتعالى بقوله: ( قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا ) .
لذلك فقد روي أنّ رجلا جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال له: أخبرني بأمر أعتصم به ؟فقال رسول الله: «قل ربّي الله ثمّ استقم » .
ثم سأل الرجل رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن أخطر شيء ينبغي عليه أن يخشاه .فمسك رسول الله لسانه وقال: هذا{[4029]} .
والآن لنرَ ما هي المواهب الإلهية التي سيشمل من يتمسك بهذين الأصلين ؟
القرآن الكريم يشير إلى سبع مواهب عظيمة تبشرهم ملائكة الله بها عندما تهبط عليهم .ففي ظل الإيمان والاستقامة يصل الإنسان إلى مرحلة بحيث تنزل عليه الملائكة وتعلمهُ .
فبعد البشارتين الأولى والثانية والمتمثلتين بعدم ( الخوف ) و( الحزن ) تصف الآية المرحلة الثّالثة بقوله تعالى: ( وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون ) .
/خ32