ثمّ يعود الكلام إلى النبيّ تثبيتاً له:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} فإن الدعوة التي تسعى إلى التغيير الشامل للحياة وللإنسان ،فكرياً وعملياً ،لا بد من أن تصطدم بألوف العقبات ،وتواجه الكثير من المشاكل ،وتلتقي بالصعوبات الكبيرة في ساحة التحديات ،لتصل إلى بعض النتائج الإيجابية الحاسمة مرحلياً أو بشكل كامل .ولست بأوّل الرسل الذين يواجههم قومهم ،أو تستقبلهم أمتهم بالكفر والتكذيب والعناد والاضطهاد ،فاصبر كما صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ( عليهم السلام ) ،الذين ذكرهم حديث أئمة أهل البيت بأنهم هم أولو العزم ،أو كما صبر الرسل من قبلك ،فقد جاء عن بعض المفسرين أن أولي العزم هم جميع الرسل ،ولا تتعقد وتنفعل ،أو تتراجع ،وتابع مسيرتك حتى النهاية ،{وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} العذاب فتدعو عليهم ،نتيجة ضيق صدرك بهم في بعض الحالات ،فإن هناك أملاً في هدايتهم للإيمان بالله والالتزام بدينه .فبعض الناس قد يحتاج إلى أمدٍ طويلٍ لتخفيف مقاومته النفسية ،أو لإبعاده عن المؤثرات العاطفية ،أو الرواسب التاريخية ،أو فصله عن الجو الذي يعيش فيه ،وغيرها من عوامل تفرض عليه عدم الإذعان للحق ،ولذلك فلا بد للدعاة إلى الله من أن يرسموا خططاً متحركة على مستوى المراحل والظروف من الزمان والمكان والأشخاص ،لاحتواء الساحة كلها في جميع الأوضاع .
أمّا إذا أصروا على الكفر والعناد ،فإن الله سوف يجمعهم لعذابه ،فلا داعي لاستعجال العذاب ،{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب{لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} لأن الإحساس بالحاضر الذي يختزن العذاب في داخله ،ويحرق بناره كل حياة الإنسان ،سوف يختصر الزمن كله في إحساس الإنسان ،بحيث لا يشعر إلاّ وكأنه لم يلبث إلا ساعةً من نهار ،هذا{بَلاغٌ} للناس{فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} الذين استحقوا الهلاك بفسقهم في العقيدة وفي العمل ؟