( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) أي:على تكذيب قومهم لهم . وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال ، وأشهرها أنهم:نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وخاتم الأنبياء كلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قد نص الله على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي "الأحزاب "و "الشورى "، وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل ، وتكون ) من ) في قوله:( من الرسل ) لبيان الجنس ، والله أعلم . وقد قال ابن أبي حاتم:
حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، حدثنا السري بن حيان ، حدثنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال:قالت لي عائشة [ رضي الله عنها]:ظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ، [ ثم] قال:"يا عائشة ، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد . يا عائشة ، إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم ، فقال:( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) وإني - والله - لأصبرن كما صبروا جهدي ، ولا قوة إلا بالله "
( ولا تستعجل لهم ) أي:لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم ، كقوله:( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ) [ المزمل:11] ، وكقوله ( فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) [ الطارق:17] .
( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) ، كقوله ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [ النازعات:46] ، وكقوله ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) [ يونس:45] ، [ وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها وطولها] .
وقوله:( بلاغ ) قال ابن جرير:يحتمل معنيين ، أحدهما:أن يكون تقديره:وذلك لبث بلاغ . والآخر:أن يكون تقديره:هذا القرآن بلاغ .
وقوله:( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) أي:لا يهلك على الله إلا هالك ، وهذا من عدله تعالى أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب .
آخر تفسير سورة الأحقاف .