/م33
المفردات:
أولوا العزم: أولو العزم من الرسل خمسة: نوح ،إبراهيم ،موسى ،عيسى ،محمد صلى الله عليه وسلم ،نظمهم الشاعر في قوله:
أولو العزم نوح والخليل الممجد *** وموسى وعيسى والحبيب محمد
لم يلبثوا إلا ساعة: كأنهم حين يرون العذاب لم يمكثوا في الدنيا إلا وقتا يسيرا من نهار ،لشدة العذاب وطول مدته .
بلاغ: أي أن ما وعظوا به كفاية في الموعظة .
التفسير:
35-{فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} .
تأتي هذه الآية في ختام السورة ،سورة الأحقاف المكية ،وفيها أدلة التوحيد والقصص ،وحديث عن إيمان الجن ،ومناقشة الكافرين ،ثم توجه الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعوه إلى الصبر والمصابرة ،كما صبر أولو العزم من الرسل ،وهم أصحاب العزائم والثبات ،الذين اجتهدوا في تبليغ الشريعة ،وتأسيسها وتقريرها ،وصبروا على تحمل مشاق الدعوة ،ومعاداة الطاعنين فيها .
قال مقاتل: هم ستة:
1- نوح صبر على أذى قومه مدة طويلة .
2- وإبراهيم صبر على النار .
3- وإسماعيل صبر على الذبح .
4- ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر .
5- ويوسف صبر على البئر والسجن .
6- وأيوب صبر على الضر .
وقال ابن عباس: كل الرسل كانوا أولي عزم ،أي: اصبر كما صبر الرسل .
وقيل: هم نجباء الرسل المذكورون في الآيات ( 83-87 ) من سورة الأنعام ،وهم ثمانية عشر:
إبراهيم ،وإسحاق ،ويعقوب ،ونوح ،وداود ،وسليمان ،وأيوب ،ويوسف ،وموسى ،وهارون ،وزكريا ،ويحيى ،وعيسى ،وإلياس ،وإسماعيل ،واليسع ،ويونس ،ولوط . 27
وأشهر الآراء أن أولي العزم من الرسل خمسة: نوح ،وإبراهيم ،وموسى ،وعيسى ،ومحمد صلى الله عليه وسلم .
وكم صبر محمد صلى الله عليه وسلم وصابر ،وتحمل في مكة والطائف ،وطريق الهجرة وأعمال المدينة ،وسائر الغزوات ،حتى لقي ربه راضيا مرضيا ،فالآية تثبيت لصبره ،وتأكيد ومؤازرة ،وأيضا تهديد للكفار ،وهذا معنى:
{ولا تستعجل لهم ...}
لا تتعجل وقوع العذاب بهم في الدنيا ،فإن لهم موعدا لن يفلتوا منه:{فارتقب إنهم مرتقبون} .( الدخان: 59 ) .
وقال مقاتل: لا تدع عليهم في إحلال العذاب بهم ،فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة .
{كأنهم يوم يرون ما يوعدون ...}
من العذاب في الآخرة ،لم يمكثوا في الدنيا أو في قبورهم إلا وقتا يسيرا ،لطول مدة عذاب الآخرة ،وامتداد عذابها أبد الآبدين ،ويزيد في طولها أنه لا أمل في النجاة ،ولا في الرجوع إلى الدنيا ،ولا في تخفيف العذاب .
{بلاغ} .أي: بلغنا ،وقد أعذر من أنذر ،أو إن في هذا القرآن وما يحمل من صنوف الآيات ،وألوان الهداية ،ما يكفي في تبليغ الدعوة ،وفي فتح الأبواب لمن أراد أن يلج في طريق الهداية ،فكم فتح الله فيه من أبواب رحمته وهدايته ،وكم لون وصرف من طرق الهداية ،فلا يهلك على الله إلا هالك ،فما أوسع أبواب رحمته .
{فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} .
أي: لا يستحق الهلاك إلا خارج على طاعة الله ،معرض عن أسباب الهداية وما أكثرها ،فهذا الفاسق الخارج على طاعة الله ،الكافر بالله وألوان هدايته ،أهل للهلاك العادل:{وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} .( النحل: 33 ) .