{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} في ما استطاع أن يصل إليه من أدلّةٍ وبراهينٍ ،في ما توصّل إليه عقله ،وما استفاده من وحي الله ،مما جعله يملك وضوح الرؤية في الموقع الأعلى الذي يمثله الله من ساحة وجوده وحركته ،وفي المصير الذي ينتهي إليه عنده من خلال عمله ،فعرف الفرق بين الحق والباطل ،والخط الفاصل بين الخطأ والصواب ،والخير والشرّ ،{كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ} فاختلطت عليه الأشياء ،فلم يميز بين العمل الحسن والعمل السيّىء ،بسبب خضوعه لنوازعه الذاتية التي جعلها مقياس الحسن والقبح في الأشياء ،ما جعله ينظر إلى عمله السيّىء ،فيتطلع إليه بعين الرضى التي تجعله يرى القبيح حسناً ،فيخيّل إليه أنه يتحرك في الخير ،في الوقت الذي يتخبط فيه في وحول الشر .
وهذا هو الفرق بين من يملك قاعدةً موضوعيةً منفصلةً عن ذاته بحيث يخضع لها في نظرته إلى الأمور ،وبين من تحرّكه الأهواء الذاتية بحيث يختلط عليه عنصر الغريزة التي تثير الرغبة ،بعنصر المصلحة التي تحدّد الموقف ،فلا يتميز الموقف لدى هؤلاء في دائرة العمق الواقعي للمصلحة ،فيسقطون أمام النتائج السيئة في نهاية المطاف ،لأنهم تركوا عقولهم{وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ} التي تهتز في ذواتهم وفي حياتهم ،فتهز لهم وجودهم في الحياة .