وهذا فصلٌ جديد من السورة يتحدث عن بيعة الرضوان ،وعن رضى الله عن الذين قاموا بها وكيف عاشوا السكينة الروحية في داخلهم وحصلوا على الثواب الإلهي ،بالفتح القريب الذي كانوا يتمنونه وينتظرونه ،وكيف وصل المسلمون إلى مستوى من القوة كانوا فيه قادرين على هزيمة المشركين ،لولا إرادة الله التي لم تجد حكمة في القتال في تلك الفترة .
{لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} لأن البيعة كانت موقفاً صارخاً في وجه المشركين الذين كانوا يستغلون قدراتهم الذاتية وتحالفاتهم مع القوى الأخرى ،لمنع الدعوة من التحرك بحريةٍ في ساحة الصراع ،كي يبقى موقف المسلمين موقفاً خائفاً قلقاً ،خاصة إذا تعلّق الأمر بمهاجمة قريش داخل مكة ،التي تسيطر على كل مواقع القوّة فيها .
لهذا كان موقف البيعة محطّ رضى الله ،لأن المسلمين فيه تمرّدوا على كل عوامل الضعف ،وواجهوا مواقف التحدي بروحية التضحية والشهادة ،{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الإخلاص والتضحية ،{فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} بما أودعه فيهم من طمأنينة روحية تستمد الثقة من الله ،وتنفتح على مواقع لطفه ورحمته ،فلم يعيشوا الشعور بالخوف والقلق ،بل انطلقوا في مسيرتهم كما لو لم يكن هناك عدوٌّ أو مشكلة ،{وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} ،والظاهر أن المراد به فتح خيبر الذي جاء بعد الحديبية ،