{ *لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا 18} .
{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} يعني بيعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ،حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب ،وعلى أن لا يفرّوا ،ولا يولوهم الدبر ،تحت شجرة هناك .
وقد أجمع الرواة في ( الصحاح ) على أن الشجرة لم تعلم بعد .ففي ( الصحيحين ){[6639]} من حديث أبي عوانة عن طارق ،عن سعيد بن المسيّب قال:( كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة .قال:فانطلقنا من قابل حاجّين .فخفي علينا مكانها ،وإن كان بينت لكم ،فأنتم أعلم ) .
وفيهما أيضا عن سفيان قال:إنهم اختلفوا في موضعها .
وروى ابن جرير:{[6640]} عن قتادة ،عن سعيد بن المسيّب قال:كان جدي يقال له ( حزن ) ،وكان ممن بايع تحت الشجرة ،فأتيناها من قابل ،فعُمِّيَتْ علينا .
ثم قال ابن جرير:{[6641]} وزعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال:أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول:هنا ،وبعضهم يقول:هاهنا ! فلما كثر اختلافهم قال:سيروا ،هذا التكلّف ،فذهبت الشجرة ،وكانت سمرة ،إما ذهب بها سيل ،وإما شيء سوى ذلك .انتهى .
/ وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) روى ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع ،أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة ،فيصلّون عندها ،فتوعّدهم ،ثم أمر بقطعها ،فقطعت !
ولا ينافي ما تقدم ،لاحتمال أن هؤلاء علموا مكانها ،أو توهّموها ،فاتخذوها مسجدا ،ومكانا مقدسا ،فقطعها عمر حالتئذ ،صونا لعقيدتهم من الشرك ،لأن الاجتماع على العبادة حولها يفضي إلى عبادتها بعدُ ،كما أفضى نصب الأوثان إلى عبادتها ،وكان أول أمرها لتعظيم مسمياتها ،وإجلال مثال أصحابها .
وقال في ( الفتح ) أيضا في شرح حديث ابن عمر ،وقوله:( رجعنا من العام المقبل ،فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها .كانت رحمة من الله ) ما مثاله:
وقد وافق المسيّب بن حزن ،والد سعيد ،ما قاله ابن عمر من خفاء الشجرة .والحكمة في ذلك أن لا يحصل بها افتتان ،لما وقع تحتها من الخير ،فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهّال لها ،حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر ،كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها .وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله ( كانت رحمة من الله ) أي كان خفاؤها عليهم ،بعد ذلك ،رحمة من الله تعالى .انتهى .
وهذه البيعة تسمى بيعة الرضوان ،سميت لهذه الآية ،وتقدمت قصتها مفصلة .
{ فعلم ما في قلوبهم} أي من الصدق والعزيمة على الوفاء بالعهد{ فأنزل السكينة عليهم} أي الصبر والطمأنينة والوقار .{ وأثابهم فتحا قريبا} قال ابن جرير:{[6642]} أي وعوّضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة ،بقتالهم أهلها ،فتحا قريبا ،وذلك – فيما قيل- فتح خيبر .