مناسبة النزول
جاء في مجمع البيان: «قال أبو جعفر الباقر( ع ): نزلت هذه الآية في رجل من بني ربيعة يقال له الحطم ،وقال السدي: أقبل الحطم بن هند البكري حتّى أتى النبي( ص ) وحده ،وخلَّف خيله خارج المدينة ،فقال: إلام تدعو ؟وقد كان النبي( ص ) قال لأصحابه: يدخل عليكم اليوم رجل من بني ربيعة يتكلم بلسان شيطان ،فلما أجابه النبي( ص ) قال: أنظرني لَعلّي أُسلم ولي من أشاوره ،فخرج من عنده ،فقال رسول الله( ص ): لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر ،فمّر بسرح من سروح المدينة فساقه وانطلق به ...
ثُمَّ أقبل من عام قابل حاجاً قد قلَّد هدياً ،فأراد رسول الله أن يبعث إليه ،فنزلت هذه الآية{وَلا ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} ،وهو قول عكرمة وابن جريج .وقال ابن زيد: نزلت يوم الفتح في ناس يأمّون البيت من المشركين يُهلّون بعمرة ،فقال المسلمون: يا رسول الله إنَّ هؤلاء مشركون مثل هؤلاء دعنا نُغير عليهم ،فأنزل الله تعالى الآية .
لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام
إن ما ورد في أسباب النزول يعني ضمناً ،أنَّ الآية واردة في مقام حض المسلمين على حفظ واحترام الشعائر والمواقف والأشخاص الّتي ترتبط ببعض العبادات أو الأوضاع العامة المتعلقة بالتخطيط للسلام في الحياة أو الأماكن المقدسة ،ولذا بدأ بشعائر الله الّتي اختلف الرأي في تطبيقها على عدّة مواطن ومعالم ومناسك ،باعتبار صدق هذا العنوان عليها ،كما جاء في الآية الكريمة:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} [ البقرة:158] ،ولكن لا مانع من القول بأنَّها شاملة لكل حرمات الله ومعالم أمره ونهيه ،باعتبارها علامات على طاعة الله ،وربّما يومىء إلى ذلك في الآية المتقدمة في جعل الصفا والمروة من شعائر الله ،ما يعني أنَّ هناك غيرها من الأشياء الّتي يطلق عليها الشعائر .ومن الواضح أنَّ إطلاق كلمة الشعائر على الأمكنة والأشياء ليس بلحاظ ذاتها ،بل باعتبار المعاني الّتي ترمز إليها والأعمال الّتي تؤدى فيها ،وبذلك يكون النهي عن استحلالها ،نهياً عن تجاوز الحدود والفرائض الّتي أوجبها الله فيها مما يدخل في طاعته والانقياد له .وأمّا النهي عن استحلال الشهر الحرام ،الّذي جعله الله عنواناً للشهور الأربعة: رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرم ،فلكي يكون للنّاس في حياتهم زمن سلام يستريحون فيه إلى أمنه وطمأنينته ،ويعملون فيه على الدعوة إلى تقوية أواصر السلام والمحبة فيما بينهم من خلال ما يعيشون فيه من أجواء الخير والسعادة ...ولذلك أراد منهم ترك القتال فيه ،مهما كانت الدوافع والأوضاع ،إلاَّ في الحالات الصعبة الّتي لا مجال فيها إلاَّ للمواجهة القتالية الّتي تمثل خط الدفاع عن القضايا .أمّا الهدي ،فقد أراد الله للنّاس احترامه وعدم التعرض له بسلب ،أو باعتراض طريقه ومنع وصوله إلى محله ،وكذلك الأمر بالنسبة للقلائد .
وفي ختام ذلك ،نهى عن الاعتداء على الَّذين يؤمون البيت الحرام ويقصدونه ابتغاء رزق الله عن طريق التجارة ،أو الحصول على رضى الله وفق أساليبهم العباديّة الخاصة لله وإن كانت غير خالصة له .
{وَإِذَا حَلَلْتُم فاصطادوا} لأنَّ التحريم كان بسبب حالة الإِحرام ،فجاز للإنسان بعد زوالها العودة إلى حالة الحِل الّتي يمارس فيها حريته في كل ما أحلّه الله له في الأصل ،من صيد أو غيره .{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يحملنكم{شَنَآنُ قَوْمٍ} أي بغض قوم{أَن صَدُّوكُمْ} منعوكم{عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فلم يمكنوكم من الدخول إليه أو البقاء فيه ،{أَن تَعْتَدُواْ} بأن تبادلوهم المثل في وقت سلطتكم عليهم ،لأنَّ الله لا يريد لكم أن تكونوا معتدين مثلهم على حرية النّاس في الدخول إليه في حال كان منهم ذلك ،إذ إنَّ المعاملة بالمثل تمثل اعتداءً على المعتدي ،وذلك لو كان الموضوع وارداً في النطاق الشخصي ،أمّا إذا كان الموضوع قضية تتعلّق بالخط التشريعي الَّذي لا يملك فيه الإنسان أمر الرد من خلالها ،فيكون ردّه اعتداءً صارخاً على حدود الله من خلال الاعتداء على حرمة بيته وعباده .وهذا من الأمور الّتي يمكن للمؤمنين أن يلتزموها كخطٍ ممتدٍ للحياة ،في أجواء الاعتداء الَّذي يتعرضون له ،فقد يكون من الواجب عليهم التفريق بين الموارد الشخصية الّتي يملكون فيها حقّ الرد على المعتدي ،وبين الموارد العامة الّتي وضع الله فيها للنّاس حدوداً ،فإنَّه لا يجوز رد الاعتداء بمثله ،كأن يضرب إنساناً قريباً لإنسان ،فيرد بضرب قريب الضارب ،لأنَّ الله يقول:{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [ الأنعام:164] إذ لا ذنب له ،فهو بريءٌ ولا مبرّر لضربه لمجرد صلته بالمعتدي ،وهكذا يجب الوقوف عند حدود الله في حلاله وحرامه ،بعيداً عن الانفعالات العاطفية الّتي تدفع إلى انتهاك الحرمات الّتي لا يجيز الله للنّاس أن ينتهكوها ،حتّى إذا انتهك الآخرون حرمةً مماثلة ،فلا يمثل ذلك حالةً شخصيةً ،بل هي ملك لله ،وهذا ما يجعل للأسلوب الإسلامي في الممارسة شخصيته المستقلة الّتي لا تتأثر بردود الفعل ولا بأساليب الآخرين .
التعاون أساس تحقيق البر والتقوى في حياة النَّاس
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبر وَالتَّقْوَى} وهذا هو الشعار الإسلامي للحياة والنّاس ،المرتكز على البر الذي يمثل الخير في العقيدة والعمل ،وذلك في ما توحيه الآية الكريمة:{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَالْملائكة وَالكتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسآئلين وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [ البقرة:177] فإنَّها اعتبرت القاعدة الفكرية العقيدية مظهراً من مظاهر البر ،لأنَّ الانحراف عن الخط الصحيح ،والابتعاد عن القاعدة الصلبة للفكر ،يؤديان إلى اهتزاز الحياة وتحولها عن أهدافها السليمة ،وينتهي بهابالتاليإلى الوقوع في قبضة الباطل والشرّ ،لأنَّ بداية الشر فكرةٌ شريرة ،كما أنَّ منطلق الباطل خاطرة فاسدة ،وبهذا كان الإيمان بالله واليوم الآخر والكتاب والنبيين منطلق خيرٍ للحياة بما يمثله من تخطيطٍ للمشاريع الخيّرة المنفتحة على الله في دوافعها وخطواتها وآفاقها الواسعة ،ومن تشريع يستهدف بناء الشخصية الإسلامية الإنسانية على الصورة الّتي يحبها الله للإنسان ،ويوحي بالتالي بالاطمئنان الروحي والنفسي والثقة بالحاضر والمستقبل في حركة الحياة .
ولم يقف البرّ عند حدود الفكر ،بل انطلق في خط العمل في ما تحدّثت عنه الآية من إيتاء المال على حبه لكل من يحتاج إليه من الفئات المحرومة ،ومن إقامة الصلاة الّتي توصي بطهارة الروح والقلب والجسد ،وإيتاء الزكاة الّتي تمثل روحية العطاء في شخصية الإِنسان ،والوفاء بالعهد بما يمثله من الالتزام بالكلمة والموقف ،والصبر في جميع الحالات الَّذي يرتكز على صلابة الإرادة وقوة العزيمة وثبات الموقف ،والصدق الَّذي ينطلق من قاعدة الإخلاص للحقيقة ،والتقوى الّتي تنفتح آفاقها على المراقبة الدقيقة لله ،وبذلك ينفتح البر على آفاق حياة الإنسان الداخلية والخارجية .
أمّا التقوى ،فإنَّها الروح الّتي تمد الإنسان بالقلق الروحي الَّذي يدفعه إلى متابعة العمل بدقة ،لئلا يخطىء هنا ،وينحرف هناك ،وينقلب على وجهه في نهاية المطاف .
وبذلك يتحول القلق إلى عنصر إيجابي يعطي للعمل إشراقة الروح والفكر ،بدلاً من أن يسلمه إلى أجواء الضياع والشلل في الاتجاه السلبي .إنَّها الالتفاتة الإيمانية الّتي تقود الإنسان إلى الشعور بحضور الله في سره وعلانيته ،في يقظته ونومه ،حتّى ليشعرمعهبالإحساس الحقيقي بوجوده معه ،كما لو كان يراه عياناً ،فيدفعه ذلك إلى الالتزام بكل صغيرةٍ وكبيرةٍ يعلم بأنَّ الله يحبها ويرضاها ،وإلى الابتعاد عن كل صغيرةٍ وكبيرةٍ ٍيعلم بأنَّ الله يكرهها ويبغضها .فلا يفقده الله حيث يريد أن يجده ،ولا يجده حيث يريد أن يفقده ،ويتسامى هذا الإحساس في روحه حتّى لينفذ إلى دوافعه ونواياه ،فيحاول أن ينظفها ويطهرها ويدفع بها إلى حيث الطهر في النيّة والتسامي في الفكرة .
وقد طرح الإسلام التعاون كأساس لتحقيق البر والتقوى في حياة النّاس ،لأنَّ كثيراً من حالاتهما لا يمكن ،من حيث المبدأ ،تأديته بجهدٍ فردي ،بل لا بُدَّ من تضافر الجهود المختلفة لإنجازه ،لا سيما في المجالات الّتي يُراد منها بلوغ نتائج كبيرة ،كما هو الحال مثلاً في المجالات الفكرية من التفاصيل والتعقيدات والانطلاقات ،ممّا يمكن لبعض الأفكار أن يكتشف جانباً هنا ،ولبعضها الآخر أن يكتشف جانباً هناك ،ليتم البناء الفكري على قاعدةٍ صلبةٍ ثابتة ،وقد نحتاج أن نسجّل في هذا المجال أنَّ الإنسانية لم تبلغ رقيّها الفكري إلاَّ بفضل الجهود المتنوعة الّتي تعاونت فيها البشرية في مختلف حقول المعرفة والعلوم ،متفاعلةً فيما بينها أو متبادلة ،متوافقة أو مختلفة .وفي ضوء ذلك ،لا بُدَّ من أن تكون الروحية المهيمنة على ذلك هي روح الوصول إلى الحقيقة ،لا روح الصراعات على المصالح الخاصة ومراكز النفوذ والقوّة والهيمنة باسم الحقيقة .
أمّا في المجال الاجتماعي ،فثمة مشاريع كثيرةٌ لحل مشكلة البؤس والفقر للفئات المحرومة ،تحتاج إلى تعاون عام ،وإلى جهود متنوعة لا تحتملها طاقة فرد ،مهما كان دوره .ولذلك ،فإنَّها لن تتكامل بدون التعاون والتعاضد والتكامل .وإذا ما انطلقنا إلى دائرة المبادىء والأخلاق ،فإنَّنا سنلتقي بحالات الضعف الّتي قد تسيطر على الإنسان فتفقده التزامه بالحق ،وانسجامه مع الصفات الطيبة ،فإذا تعاون معه إخوانه على المسيرة المشتركة ،أمكن له أن يأخذ قوةً من قوتهم ،وروحاً من روحهم ،ليستقيم له المبدأ ،وليتقوَّم لديه الخُلُق .
وهذا ما أوحى به الله في قوله تعالى:{وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ} [ العصر:3]{وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ} [ البلد:17] .وهكذا نجد التقوى كإحساسٍ في داخل النفس ،وكموقفٍ في ساحة العمل ،تحتاج إلى مزيدٍ من التعاون في خط التنمية الروحيّة الّتي تعمق الإحساس بالله في الأعماق ،ليلتقي هناك الخوف من الله بحبه ،فيتحول إلى انضباطٍ على مستوى الفكر والموقف ،ولأنَّ الإنسان قد ينهار أمام الإغراء أو الخوف ،أو يضعف ويغيب في مجالات الضياع ،فهو يحتاج لمن يأخذ بيده فيشد عليها ،أو يمد له يدْه لينتشله من براثن السقوط ،أو يذكره فلا ينسى ،أو يرشده فلا يتيه أو يضيع ،أو يقيل من أمامه العثرات فلا يسقط أو يهوي ...وبذلك يلتقي الجميع على خط الله متآلفين متراحمين متكافلين بالصبر والحق .
وخلاصة الفكرة ،أنَّ الإسلام يدعو إلى إقامة الحياة على التعاون ،الَّذي تتجمّع فيه الطاقات ،وتتنامى فيه المواقف ،وتتضافر فيه الجهود ،لتتكامل للقضايا الكبيرة عناصرها ،ولتتحقق للبرّ والتقوى مصداقيتهما في حياة النّاس ،وليبتعد الإنسان عن روح الفردية الّتي تغذي في داخله الشعور بالزهو الذاتي ،فتضخم له شخصيته على حساب القيم والمبادىء العامة ،وبذلك يتحول إلى شخصٍ جديدٍ يرى الحياة ساحة للجميع على أساس مسؤوليتهم المشتركة الكبيرة بين يدي الله .
القرآن وشروط التصرف
{وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} إذ يتمثّل الإثم بالعمل الَّذي يسير في غير خط الله ،انطلاقاً من كل القيم الشريرة الفاسدة ،والنوازع النفسية الهابطة ،كالكذب والجزع والبخل والكِبر والتجبر والتمرّد الروحي والفكري والعملي على الله سبحانه وتعالى ...كما يتمثل العدوان بالاعتداء على أموال النّاس وأعراضهم ونفوسهم ،وبالتنكر لكل القيم الروحية الّتي تحمي الإنسان من أخيه ،لذا ينهرنا تعالى عن التعاون{عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان} لأنَّهما يهدمان الحياة ويضعانها في أجواء الضياع والقلق والضلال ،ويحولانها إلى غابة لا تحكمها القوانين والشرائع ،بل تتحكم فيها القوّة الغاشمة العمياء ،ليكون الحق للأقوى بعيداً عن ميزان العدل الَّذي يجعل القوّة للحق ،والضعف للباطل .وعلى هذا الأساس ،ألغى الإسلام كل العصبيات العائلية والعشائرية والإقليمية والقومية والعنصرية الّتي أكدتها قيم الجاهلية ،لأنَّها لا تمثل التعاون على أساس الحق والعدل والتقوى ،وتعتبر الإطار الَّذي تتحرك فيه العصبية أساساً لشرعية كل عمل تعاوني في مصلحتها ،أياً كان موقعه من قضية الحق والباطل ،كما عبّر عنه القول الجاهلي المأثور: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً » .وفي ضوء هذا الرفض الإسلامي ،جاءت الكلمة المأثورة عن الإمام علي بن الحسين( ع ) في ما رواه الزهري عنه: «العصبية الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرّجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين ،وليس من العصبية أن يحب الرّجل قومه ،ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم » .فالله سبحانه وتعالى ،يريد للنَّاس ألاَّ يتعاونوا على الإثم والعدوان ،بحيث يصرفون كل طاقاتهم في هذا الاتجاه ،واستلزاماً لهذا الغرض ،يُريد منهم أن يبتعدوا عن الجو المحموم الَّذي تخلقه مجتمعات الإثم والعدوان في نفوس الأفراد ،وذلك لإضعاف الدوافع الّتي تقود إلى الإثم ،ولكي تتلاشى النوازع الّتي تعمل على إثارة روح العدوان على الآخرين في النفس ،ولتتحول ،بالتالي ،الحياة إلى ساحة خير وإيمان وسلام ...
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ} وجاءت الدعوة إلى التقوى مقرونةً بالتذكير بالصفة الإلهية الّتي تؤكد على أنَّه شديد العقاب في موضع النكال والنقمة ،لتخفّف من اندفاعات النفس الذّاتية في خط الانحراف ،فيواجه الإنسان الموقف بكثير من الشعور العميق بالنتائج المرعبة الّتي تنتظر السائرين على طريق الضلال بعيداً عن الله ،ويتعرف كيف يتفاداها بالطاعة والسير على خط العبودية المستقيم في أفكاره ومواقفه له تعالى ،وذلك هو سر الأسلوب القرآني الَّذي لا يريد للتشريع التحليلي والتحريمي أن يتعلق بالفراغ بعيداً عن حركة المسؤولية ،بل يعمل على إثارة المسؤولية الثقيلة في وعي الجميع من خلال التلويح بالعقاب الشديد .