المفردات:
شعائر الله: جمع شعيرة ،وهي: العلامة ،والمراد: ما جعل شعارا وعلامة للنسك .من مواقف الحج .
الشهر الحرام: الأشهر الأربعة التي حرمها الله وهي: ذو القعدة ،وذو الحجة ،ومحرم ،ورجب .
الهدي: ما يهدي إلى الحرم الشريف من الأنعام .
القلائد: جمع قلادة ،وهي: ما يعلق في عنق الأنعام . علامة على أنها هدي .
والمراد:ذوات القلائد .
آمين: قاصدين .
لا يجر منكم: لا يحملنكم .
شنآن: بعض .
صدوكم: منعوكم .
البر: كلمة تجمع وجوه الخير .
الإثم والعدوان: الإثم ؛ الذنب مطلقا .والعدوان ؛خاص بما يقع على الغير .
التفسير:
2- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللّهِ ...أي لا تستبيحوا وتنتهكوا أية شعيرة من شعائر الذين: في الحج أو غيره ؛لأنه يؤدي إلى الاستخفاف بالشرع ،وذلك كفر بالله تعالى ؛لأنه هو المشرع .
جاء في صفوة التفاسير للصابوني:
أي: لا تستحلوا حرمات الله ،ولا تتعدوا حدوده ،قال الحسن: يعني شرائعه التي حددها لعباده ،وقال ابن عباس: ما حرم عليكم في حال الإحرام .
وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ .أي: ولا تستبيحوا القتال في الأشهر الحرم ،وذلك لحرمة القتال فيها ،والأشهر الحرم هي: ذو القعدة و ذو الحجة والمحرم ورجب .
وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ .كذلك نهاهم الله عن أن يعتدوا على الهدي الذي يهدي إلى الحرم ،من الأنعام ،لينتفع به عباد الله ،أو أن يعتدوا على ما قلد من هدي الأنعام ،فجعلت في عنقه قلادة من لحي شجر الحرم للدلالة على انه مهدي إلى بيت الحرم .
وخص القلائد بالنهي عن الاعتداء عليها- مع أنها داخلة في الهدي- تشريفا لها واعتناء بها .
والمراد من إحلال الهدي والقلائد المنهي عنه- غصبها أو منعها من بلوغ محلها أو إصابتها بسوء .
وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا .أي: ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام لحج أو عمرة ،نهى تعالى عن الإغارة عليهم ،أو صدهم عن البيت كما كان أهل الجاهلية يفعلون .
وتكرار لا .أربع مرات في ولا الشهر الحرام ،ولا الهدي ،ولا القلائد ،ولا آمنين البيت الحرام .
للدلالة على أن قوة التحريم في كل واحدة .
وذكر كل واحدة من هذه المنهيات الخمس منفردة ،مع أنها مجملة في شعائر الله ؛لأهميتها .
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا .أي: ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام- الذي من داخله كان آمنا- وكذا من قصده طالبا فضل الله وراغبا في رضوانه فلا تصدوه ولا تمنعوه ،ولا تهيجوه قال مجاهد وعطاء في قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا .يعني بذلك التجارة .
وقال ابن عباس: ورضوانا: أي: يترضون الله بحجهم .
وقد ذكر عكرمة والسدي وابن جرير أن هذه الآية نزلت في ( الحطيم بن همد البكري ) كان قد أغار على سرح المدينة ،فلما كان من العام المقبل اعتمر إلى البيت فأراد بعض الصحابة أن يعترضوا في طريقه إلى البيت .
فأنزل الله عز وجل: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا{[174]}
وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ .أي: إذا فرغتم من إحرامكم ،وأحللتم منه فقد أبحنا لكم ما كان محرما عليكم في حال الإحرام من الصيد وهذا أمر بعد الحظر .
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ .أي: ولا يحملنكم بعض قوم كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا ،بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد ،وهذا المعنى نجده أيضا في قوله سبحانه: ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى .
وقال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك ،بمثل أن تطيع الله فيه ،والعدل به قامت السماوات والأرض ،وقال ابن أبي حاتم ،عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه ،حين صدهم المشركون عن البيت ،وقد اشتد ذلك عليهم ،فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة ،فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم ،فأنزل الله هذه الآية ،والشنآن هو البغض ،وهو مصدر من شنأه أشنؤه شنآنا .
وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .أي: تعاونوا على فعل الخيرات وترك النكرات ،وعلى كل ما يقرب إلى الله .
قال ابن كثير:
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات- وهو البر- وترك المنكرات- وهو التقوى- وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم .
روى البخاري وأحمد عن انس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"انصر أخاك ظالما أو مظلوما "،قيل: يا رسول الله ،هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟قال:"تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره "{[175]} .
وفي الصحيح "من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ،ومن دعا إلى الضلالة كان عليه الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا "{[176]}
وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .أي: خافوا عقابه ؛فإنه تعالى شديد العقاب لمن عصاه .
قال صاحب الظلال:
"وهو تعقيب لتهديد من لا يتقي ،ومن لا يفي بالعقد الأول ،ومن تجرفه دفعة الشنآن إلى شاطئ العدوان .
إنها قمة في ضبط النفس ،وفي سماحة القلب ،وفي انتهاج العدل ،يحدو إليها هذا القرآن ويأخذ بيد البشر في طريق الإيمان ،دون ما عنت ودون ما حرج ،فهو يعترف للنفس البشرية بان من حقها أن تغضب ،ومن حقها أن تكره ،ولكن ليس من حقها أن تعتدي على الناس مطاوعة لما فيها من شنآن ،ثم يحدو لها بعد ذلك بنشيد البر ونشيد التقوى ،لتتخلص من عقابيل الشنآن ،فيكون في هذا تربية للنفس ،بعد أن يكون فيها ضمان للعدل ،في غير ما كبت للفطرة ولا إعنات{[177]} .