{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} ليس المراد هنا أن طوّعت متضمنة لمعنى انقادت أو سوّلت ،بل إنَّ التطويع يدل على التّدريج ،كما تدل الإطاعة على الدفعة ،كما هو الغالب في بابي الإفعال والتفعيل .فالتّطويع في الآية اقتراب تدريجي للنفس من الفعل بوسوسةٍ بعد وسوسة ،وهمامة بعد همامة ،تنقاد لها حتّى تتمّ لها الطاعة الكاملة .فالمعنى: انقادت له نفسه ،وأطاعت أمره إياها بقتل أخيه طاعة تدريجيّة ،فقوله:{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} من قبيل وضع المأمور به موضع الأمر ،كقولهم: أطاع كذا في موضع: أطاع الأمر بكذا .
وأمَّا ما ذهب إليه الكشاف من أنَّ معنى «طوّعت له نفسه »: «وسعته له ويسرته من طاع له المرتع إذا اتسع » ،إنَّما يندرج في سياق ما تقدم ،لأنَّ التوسعة والتيسير إنَّما يتمّان من خلال الأفكار الّتي توحي بها النفس الأمارة بالسوء ،فتسهّل له قتل أخيه بإبعاد المعوّقات الّتي تمنعه ،وتهيئة الوسائل الّتي تقربه إلى ذلك ،والإيحاء ببعض النتائج الإيجابيّة على مستوى الواقع النفسي والاجتماعي الّتي توحي له بما يُمكن أن يحققه من الراحة النفسيَّة والميزة الاجتماعيّة في ذلك .وهذا هو ما تقوم به النفس في غرائزها ومشتهياتها وتعقيداتها وأوضاعها الداخليّة في توجيه الإنسان إلى الشر ،{فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} لأنه خسر الدنيا إذ خسر أخاه ،ولم يحقق لنفسه ما تريده على مستوى تمنياته وأوضاعه ،وخسر الآخرة لأنَّه استحق بقتله لأخيه عذاب النّار من خلال غضب الله عليه .
ومن الطريف ما نقله صاحب مجمع البيان عن استدلال بعضهم بقوله:{فَأَصْبَحَ} على أنَّه قتله ليلاً ،وردّه بأنَّه «ليس بشيء ،لأنَّ من عادة العرب أن يقولوا: أصبح فلان خاسر الصفقة إذا فعل أمراً كانت ثمرته الخسران ،يعنون حصوله كذلك لا أنَّه تعلق بوقت دون وقت »