وقوله تعالى:( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) أي:فحسنت وسولت له نفسه ، وشجعته على قتل أخيه فقتله ، أي:بعد هذه الموعظة وهذا الزجر .
وقد تقدم في الرواية عن أبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين:أنه قتله بحديدة في يده .
وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس - وعن مرة عن عبد الله وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:( فطوعت له نفسه قتل أخيه ) فطلبه ليقتله ، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال ، فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له ، وهو نائم فرفع صخرة ، فشدخ بها رأسه فمات ، فتركه بالعراء . رواه ابن جرير .
وعن بعض أهل الكتاب:أنه قتله خنقا وعضا ، كما تقتل السباع ، وقال ابن جرير لما أراد أن يقتله جعل يلوي عنقه ، فأخذ إبليس دابة ووضع رأسها على حجر ، ثم أخذ حجرا آخر فضرب به رأسها حتى قتلها ، وابن آدم ينظر ، ففعل بأخيه مثل ذلك . رواه ابن أبي حاتم .
وقال عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال:أخذ برأسه ليقتله ، فاضطجع له ، وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله ، فجاءه إبليس فقال:أتريد أن تقتله ؟ قال:نعم . قال:فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه . قال:فأخذها ، فألقاها عليه ، فشدخ رأسه . ثم جاء إبليس إلى حواء مسرعا ، فقال:يا حواء ، إن قابيل قتل هابيل . فقالت له:ويحك ، أي شيء يكون القتل ؟ قال:لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك . قالت:ذلك الموت . قال:فهو الموت . فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهي تصيح ، فقال:ما لك ؟ فلم تكلمه ، فرجع إليها مرتين ، فلم تكلمه . فقال:عليك الصيحة وعلى بناتك ، وأنا وبني منها برآء . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله:( فأصبح من الخاسرين ) أي:في الدنيا والآخرة ، وأي خسارة أعظم من هذه ؟ . وقد قال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا:حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تقتل نفس ظلما ، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل ".
وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود من طرق ، عن الأعمش به .
وقال ابن جرير:حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين حدثني حجاج قال:قال ابن جريج:قال مجاهد:علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه في الشمس حيثما دارت دار ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج - قال:وقال عبد الله بن عمرو:إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب ، عليه شطر عذابهم .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن حكيم بن حكيم أنه حدث عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول:إن أشقى أهل النار رجلا ابن آدم الذي قتل أخاه ، ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة ، إلا لحق به منه شر ، وذلك أنه أول من سن القتل .
وقال إبراهيم النخعي:ما من مقتول يقتل ظلما ، إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كفل منه .
رواه ابن جرير أيضا .