وإذا كان الله هو سرّ العقيدة في مضمونها الفكري والروحي والعملي ،فلا بد للمؤمن من أن يتمثله بصفاته التي توحي للإنسان بحركة الإيمان في العقل والشعور والحياة ،ليعيش الإنسان مع هذه الصفات في رحلة المسيرة الإنسانية الباحثة عن الله ،المنطلقة إليه من خلال مواقع طاعته ورضاه .وهذا ما تريد هذه الآيات إشاعته في النفس ،لتختم السورة بالتسبيح المنفتح على وعي عظمته ،كما بدأته بالتسبيح المتحرك في مواقع عزته وحكمته .
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} وهذه هي الحقيقة التوحيدية التي تنزع من شعور الإنسان كلَّ لونٍ من ألوان الشرك في ما يتخذه الناس من آلهةٍ مزعومةٍ على مستوى الحجر أو المخلوق الحي من إنسانٍ وملكٍ وجان .ويبقى الإنسان مع الله وحده ،في خط العقيدة الواحدة ،والشريعة الواحدة ،والنهج الموحّد في حركة الإنسان في الحياة .
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} فليس هناك عالمٌ مستور عند الله ،لأن الغيب والشهادة يستويان لديه ،فالكون الخفي مكشوفٌ له ،تماماً كما هو الكون البارز ،لأنه الخالق للكون كله ،فلا يفكرنَّ أحدٌ بأن يستتر منه في معصيةٍ ،من خلال الغفلة عن حضوره في ذلك الموقع .
{هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} الذي يستشعر عباده رحمته في مفردات وجودهم ،كما كانوا صدى رحمته في أصل هذا الوجود ،ويتصوّرون رحمته في الآخرة التي يرجونها منه ،كما يطلبونها في الدنيا ليعيشوها في ساحة نعمه وألطافه .