خسارة النفس أفظع أشكال الظلم
وليست قضية الخسارة هنا مجرد خسارةٍ ذاتية ،ولكنها أفظع أشكال الظلم ،وأيّ ظلم أعظم من أن يظلم الإنسان ربّه ؟لا ظلمَ القوّة ، لأن الإنسان يمثّل الضعف كله أمام الله ،ولكنه ظلم الافتراء والكذب ،والإساءة إلى مقام الله الذي خلقه ورزقه وتعهّده في كل حياته ،بالرحمة والرعاية التامّة ،في ما ينسبه إليه من الباطل ،وفي ما يكذِّبه من آياته ..ثم هو الظلم الكبير للحياة وللإنسان ،في ما يشوّهه من الحقائق ،ويهدّمه من القضايا ،ويضلّله من الخطوات ،فليست الأكاذيب التي يفتريها هؤلاء مجرد كلماتٍ تتحرك في الهواء ،وليست المواقف التي يقفونها ضد شريعة الله مجرّد مواقف تتجمد في حياة أصحابها ،ولكنها تتحول إلى شريعةٍ من شرائع الباطل التي يدين بها الناس باسم الحق ،أو سنّةٍ يقتدي بها الناس في ما يقتدون به من سنن الأولين ،لأن أصحابها يمثّلون انتماءً دينياً له قداسة الدين في ما يعتقده الناس ،ويملكون موقعاً كبيراً له احترامه العميق في ما يعيشه الناس من احترام المقامات الكبيرة ،ولهذا كانت القضية تشكل خطراً مستقبلياً على مستوى الفكر والعمل ،ما جعل من ممارستها ممارسةً لأكبر أنواع الظلم ،لأنّ أيَّ ظلم ،غير هذا اللون من الظلم ،يأخذ لنفسه حجماً محدوداً ،ولا يستوعب الحياة التي تتحرك في مسيرتها صعوداً وهبوطاً من خلال مفاهيم الحق والباطل ،{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بَِايَاتِهِ} .
الظالمون المفترون الكاذبون لا فلاح لهم
ولكن هل يتصور هؤلاء أنهم قد ربحوا الجولة الأولى ،وربحوا معها أنفسهم ،وأفلحوا في الوصول إلى السعادة ؟إن الله يواجههم بالحقيقة المرّة الصارخة:{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} فسيواجهون نتائج أعمالهم السيّئة في الدنيا والآخرة ،وسيتبخر في الهواء كل ما بنوه من أحلام ،وكل ما حصلوا عليه من امتيازات ..