ثم إن الله يوجّه خطابه لعبده المؤمن من خلال توجيه الخطاب لرسوله ،بأن ينفصل عن هذا المجتمع اللاهي اللاعب:{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} لأنهم لم ينفتحوا في الحياة على الرسالة الشاملة التي تنظر إلى الحياة بجدّيةٍ ومسؤوليةٍ تؤكّد على الالتزام ،بل اعتبروا دينهم الذي يمثل خطّ سيرهم هو في الانطلاق مع اللّعب واللّهو ،في جميع علاقاتهم وانتماءاتهم ومعاملاتهم وأوضاعهم الخاصة والعامة ..ولهذا فإنهم لا يواجهون الدعوةالرسالة مواجهة الفكر للفكر ،والموقف للموقف ،بل مواجهة السخرية والاستهزاء واللاّمبالاة ،لا لأنهم لا يقتنعون بها ،بل لأنهم لا يطيقون جدّيتها والتزامها .
{وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيَا} بزخارفها وأشكالها وشهواتها وأطماعها ،فاستسلموا لها ،وعاشوا معها ،وغرقوا في بحار اللذّة التي غمرت كل تفكيرهم وواقعهم ..وهكذا تحوّلوا إلى خطّ مضادٍّ للمسيرة الإلهية التوحيديّة ،ما يفرض على أتباع المسيرة أن يتركوهم وشأنهم ،بعيداً عن حالة التعقيد الذاتي الذي يوحي بالإحباط واليأس .
{وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} وهكذا بدأ النداء الموجَّه للمؤمن كي يستمر بالتذكير والإنذار بالموقف الذي يؤاخذ الله فيه كل نفس بما كسبت من أخطاء وخطايا تمنعها من الحصول على ثوابه ،دون أن تملك ناصراً ينصرها منه أو شفيعاً يشفع لها عنده .وإذا كانت في الحياة الدنيا تحاول أن تدفع بدلاً من مالٍ ورجالٍ ،فتأمن في مواقع الخطر ،فإن الآخرة ليست هي الموقع الذي يتناسب مع ذلك ،فهناك المصير المحتوم الحاسم ،فلهم الشراب الحميم الذي يغلي في البطون ،ولهم العذاب الأليم الذي يفتك بأجسادهم ،كنتيجةٍ طبيعية لكفرهم وتمردهم على الله .