المفردات:
ذر: اترك .
غرتهم: خدعتهم .
تبسل نفس: الإبسال ؛المنع ،ومنه أسد باسل ،لأن فريسته لا تفلت منه .ومعنى تبسل نفس تمنع من النجاة .
وإن تعدل كل عدل: تفد نفسها كل فداء .
حميم: ماء شديد الحرارة .وقد يطلق على الماء البارد .والمراد منه في الآية المعنى الأول .لقوله تعالى: ..وسقوا ماء حميما فقطع أمعائهم .
التفسير:
70- وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ...الآية .
المعنى الإجمالي للآية من فتح القدير للشوكاني:
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا .أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا الدين الحق – الذي كان يجب عليهم العمل به والدخول فيه – لعبا ولهوا ولا تقلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت ،وإن كنت مأمورا .بإبلاغهم الحجة .
وغرتهم الحياة الدنيا .حتى آثروها على الآخرة ،وأنكروا البعث .
وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت .الإبسال تسليم المرء نفسه للهلاك .
فالمعنى: ذكر بالقرآن لعل أحدا يتذكر فينجو بنفسه من العذاب قبل أن يحبط بها فلا تجد مخلصا .
وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها .وإن بذلت تلك النفس التي سلمت للهلاك كل فدية لا يؤخذ منها ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك .
أولئك .المتخذون دينهم لعبا ولهوا ،هم الذين أبسلوا بما كسبوا .أي هؤلاء الذين سلموا للهلاك بما كسبوا لهم شراب من حميم .وهو الماء الحار ،يشربونه فيقطع أمعائهم .
تمهيد:
حرص المشركون على إبطال دعوة الإسلام بكل سبيل وقد عرضوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك مجالسة الفقراء ،أو يجعل لهم مجلسا خاصا بهم ،وقد رفض القرآن عرضهم ،فاتخذوا هدفا آخر ،وهو السخرية والاستهزاء بالقرآن ،يريدون بذلك صرف المسلمين عن دينهم ،وعن كتاب ربهم ،فأمر الله رسوله ألا يبالي بهم ،وأن يمضي في سبيله وتبليغ رسالة ربه .
والآية 70 من سورة الأنعام هذه تستعرض عنت المشركين وسوء فعالهم ،وتضع أمامهم أهوال عذاب يوم القيامة ليتصوروا هول ما هم قادمون عليه ،عل هذا أن يسوق لهم العبرة والموعظة النافعة قبل فوات الأوان .
توضيح:
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا .أي اترك يا محمد المشركين الذي جعلوا دينهم شيئا يشبه اللعب واللهو ،حيث عبدوا الأوثان وجعلوها آلهة ،وأباحوا أكل الميتة ،وحرموا البحيرة والسائبة ،وغير ذلك من الأمور .
وقيل المعنى: اترك يا محمد هؤلاء الغافلين الذين اتخذوا دينهم الذي كلفوا به وهو الإسلام لعبا ولهوا حيث سخروا من تعاليمه واستهزؤوا بها .
وغرتهم الحياة الدنيا .حيث اطمأنوا إليها ،واشتغلوا بلذاتها ،وزعموا أنه لا حياة بعدها .
قال الإمام الرازي ما ملخصه: ( ومعنى ذرهم: أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ،ولا تقم لهم في نظرك وزنا ،وليس المراد أن يترك إنذارهم لأنه قال له بعده وذكر به وإنما المراد ترك معاشرتهم وملاطفتهم ،لا ترك إنذارهم وتخويفهم ...
وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع .
وحذر بهذا القرآن أو بهذا الدين الناس مخافة أن تهلك نفوسهم بما كسبته من الكفر والمعاصي إذ ليس لها من غير الله نصير أو شفيع يدفع عنها السوء .
وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها .العدل عنها الفداء .
والمعنى: ومهما قدمت من فداء فلن يؤخذ منها .
قال تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين .( آل عمران: 91 ) .
قال الإمام الرازي ما معناه:
إن وجوه الخلاص في الدنيا ثلاثة:
1- ولي يتولى الدفاع ودفع المحذور .
2- شفيع يشفع للمذنب .
3- فدية تقبل منه ليحصل الخلاص بسببها .
وهذه الثلاثة لا تفيد في الآخرة البتة .
فليس أمام العصاة إلا الإبسال ،الذي هو الارتهان والاستسلام .
وإذا تصور الإنسان كيفية العقاب على هذا الوجه ،يكاد يرعد إذا أقدم على معاصي الله ( 106 )
أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون .أي أولئك الذين حبسوا للهلاك ومنعوا من النجاة بسبب كفرهم ومعاصيهم ،لهم في جهنم شراب من ماء شديد الحرارة ،تتقطع به أمعاؤهم ،ولهم من فوق ذلك عذاب مؤلم بنار تشتعل بأبدانهم بسبب استمرارهم وإصرارهم على كفرهم .