{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} الذي يجمع فيه الناس ليوم الفصل ،{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} الذي يفكر فيه كل فرد بأن الفرصة التي منحها الله له في الدنيا ،في ما أعطاه من عمر وهيّأه له من إمكاناتٍ ،كانت تحمل في داخلها الكثير مما كان يمكنه الحصول على نتائجه في الآخرة ،بالمستوى الذي يعتبر فيه نفسه مغبوناً ،إذا قارنها بالنتائج الحاضرة التي حصل عليها الآن ،سواء أكانت نتائج إيجابية لأنه كان قادراً على أن يحصل على الأفضل منها ،أم كانت نتائج سلبية لأنه كان متمكناً من الحصول على النتائج الإيجابية بدرجاتها المتفاوتة ،فتكون المسألة أن الجميع لم يقدّروا الفرصة التي فاتت حق قدرها ،تماماً كمن باع سلعته بأقل من ثمنها ،حيث يعتبر مغبوناً .وفسره البعض بأن اعتبر التغابن بين أهل الضلال: متبوعيهم وتابعيهم ،فالمتبوعون وهم المستكبرون يغبنون تابعيهم وهم الضعفاء ،حيث يأمرونهم بأخذ الدنيا وترك الآخرة ،فيضلون ،والتابعون يغبنون المتبوعين حيث يعينونهم في استكبارهم باتباعهم فيضلون ،فكل من الفريقين غابن لغيره ومغبون من غيره .
ولعل الأساس في هذا الوجه هو ملاحظة صيغة التفاعل في كلمة التغابن ،ولكن الظاهر أنها لم ترد بهذا المعنى ،لأن الظاهر أنّ المخاطب به كل فردٍ ممن يجمعهم الله ،حيث يواجه الناس مواقعهم في يوم القيامة ،فيحس كل إنسان بأنه مغبون في ما حصل عليه ،لأن من الممكن أن يكون حظه أكبر .وقد نستطيع تطبيق الصيغة على التفاعل ،وذلك بنحو التجريد ،بأن يجرد الإنسان من نفسه شخصاً غابناً في ما توحي به نوازعه من أعمال ،وشخصاً مغبوناً في ما يخضع له من مؤثرات ويتحرك فيه من خطواتٍ .وهذا مما يكثر الاستعمال فيه ،في مواجهة الإنسان لنفسه ،وجهاده لها ،مع أنه لا مجال للتفكيك بين الإنسان ونفسه ،إلا بنحو التجريد الذي يجعل في داخله نفساً أمارة بالسوء ،ونفساً ناهية عنه ،والله العالم .
{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} على أساس القاعدة الشرعية القرآنية:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيِّئَاتِ} [ هود:114] ،فيرفع الله عن الإنسان سيئاته ببركة حسناته ،{وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} وهو الجزاء الكبير على استقامته في خط الإيمان والعمل الصالح .{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي يمثّل العنوان الكبير للنتيجة الطيبة التي يحصل عليها المؤمنون الصالحون ،في مواجهة الخسارة التي تحصل للكافرين ،