{بَعَثْنَا}: أرسلنا .
{فَظَلَمُواْ بِهَا}: جحدوا بها .
موسى وفرعون
وجاء موسى ليواجه الطغيان والجبروت ،الذي يمثّله فرعون الذي كان يرى في ذاته شيئاً من سرّ الألوهية التي توحي بالقدرة ،وتدعو إلى العبادة ،وتدفع إلى السيطرة ،ولم يكن شأن موسى كشأن نوحٍ وهود وصالح وشعيب ولوط في إرساله إلى قومه ،فلم تكن لديه مشكلة صراع مع قومه في البداية ،بل كان صراعه القويّ مع فرعون وجماعته من الأشراف ،الذين كانوا يمثلون الطبقة العليا في المجتمع ،ويشعرون بأن وجودهم في ما يملكون من مواقع وامتيازاتٍ مرتبط بوجود فرعون وسلطته ،ولهذا كانوا يدعمونه ويتزلّفون إليه .وكانت بعض مشاكله مع فرعون أن يرفع يده عن قومه ،فلا يستعبدهم ويضطهدهم ويسخّرهم في الأعمال الشاقة لمصالحه ،بدون أجرٍ أو بأقل قدرٍ ممكن منه مقابل ما يبذلونه من جهد ،فيدعوه إلى أن يتركهم وشأنهم ليمارسوا حريتهم في ما يريدون وما لا يريدون .وكان الموقف موقف التحدي القويّ الذي واجه به موسى فرعون ،وكان ردّ التحدّيفي بداية الأمرضعيفاً في موقف فرعون ،وقد يكون ذلك ناشئاً من الإحراج الذي واجهه أمام آيات الله .ثم تطوّرت الأمور بينهما ،وتعقّدت الأوضاع ،وتصاعدت المواجهة بالمجابهة ،وأنزل الله البلاء على فرعون وقومه ...وكانت النهاية لمصلحة موسى في نهاية المطاف ،كما نرى ذلك من خلال متابعة آيات السورة .
جحود فرعون لآيات الله تعالى
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم}والضمير يعود إلى الأنبياء الخمسة الذين تقدم ذكرهم{مُّوسَى بَِايَاتِنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيِهِ} ،وهم الجماعة التي كانت تشاركه في الحكم ،وتدعمه في السلطة من الطغاة الصغار الذين كانوا يشكّلون طبقة السادة والأشراف في المجتمع ،{فَظَلَمُواْ بها} وجحدوها وكفروا بها ...وذلك هو مظهر الظلم في قضايا العقيدة والكفر ،في ما يظلم الإنسان به نفسه وربّه ،والحقّ الذي يقدّم إليه ...وامتد بهم الظلم والطغيان حتى لاقوا جزاء ظلمهم وطغيانهم في ما أنزله الله عليهم من العذاب{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} الذين ملأوا الأرض فساداً ،واعتبر بذلك في ما تريد وما لا تريد ،وهذه هي بداية القصة في المواجهة الأولى .