/م103
في الآية الأُولى من الآيات الحاضرة يقول تعالى: ( ثمّ بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه ) أي من بعد قوم نوح وهود وصالح .
ويجب الالتفات إلى أنّ «فرعون » اسم عام ،وهو يطلق على كل ملوك مصر ،كما يطلق على ملوك الروم «قيصر » وملوك فارس «كسرى » .
ولفظة «الملأ »كما أشرنا إلى ذلك فيما سبقتعني الأعيان والأشراف الذين يملأون ببريقهم وظواهرهم الباذخة العيون ،ولهم حضور ملفت للنظر في جميع ميادين المجتمع .
والسر في إرسال موسى في بداية الدعوة إلى فرعون وملأه هو أنّه علاوة على أنّ إحدى برامج موسى كان هو نجاة بني اسرائيل من براثن استعمار الفراعنة وتخليصهم من أرض مصروهذا لا يمكن أن يتم من دون الحوار مع فرعونإنّما هو لأجل أن المفاسد الاجتماعية وانحراف البيئة لا تعالج بمجرّد الإِصلاحات الفردية والموضعية فقط ،بل يجب أن يُبدأ بإصلاح رؤوس المجتمع وقادته الذين يمسكون بأزمة السياسة والاقتصاد والثقافة ،حتى تتهيأ الأرضية لإِصلاح البقية ،كما يقال عرفاً: إنّ تصفية الماء يجب أن تكون من المنبع .
وهذا هو الدرس الذي يعطيه القرآن الكريم لجميع المسلمين ،لإِصلاح المجتمعات الإسلامية .
ثمّ يقول تعالى: ( فظلموا بها ) .
ونحن نعلم أنّ لفظ الظلم بالمعنى الواسع للكلمة هو: وضع الشيء في غير محلّة ،ولا شك في أن الآيات الإِلهية توجب أن يسلّم الجميع لها ،وبقبولها يصلح الإنسان نفسه ومجتمعه ،ولكن فرعون وملأه بإنكارهم لهذه الآيات ظلموا هذه الآيات .
ثمّ يقول تعالى في ختام الآية: ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) .
وهذه العبارة إشارة إجمالية إلى هلاك فرعون وقومه الطغاة المتمردين ،الذي سيأتي شرحه فيما بعد .
وهذه الآية تشير إشارة مقتضبة إلى مجموع برنامج رسالة موسى ،وما وقع بينه وبين فرعون من المواجهة وعاقبة أمرهم .