موسى( ع ) يحث قومه على الصبر والثبات
وربما ترك مثل هذا التهديد أثره السلبي في نفوس قوم موسى ،الذين كانوا في موقع التجربة الأولى ،فلم يتصلّب إيمانهم بعد ،ولم تقو عزيمتهم ،بل كانوا يهتّزون أمام كل وعيد ،فوقف موسى ليشدّ من عزمهم ،وليقوي إيمانهم بالله ،وليبعث فيهم روح الصبر والثبات ،وليفتح لهم نوافذ الأمل وأبواب الرجاء ...{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُواْ بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ} ،فإن الوصول إلى الغايات التي يسعى إليها الإنسان يمر بأكثر من مرحلة ؛ولكل مرحلةٍ مشاكلها وتحدياتها وآلامها ،فلا بد من الصبر من أجل مواجهة ذلك كله ،من أجل عدم الوقوع في قبضة الانفعال الذي يشلّ عقل الإنسان وتفكيره ،ويقوده في النهاية إلى الهاوية ،فلا تتجمّدوا أمام المرحلة الحاضرة ،لتعتبروها خاتمة المطاف ،بل حاولوا التطلع إلى ما قبل هؤلاء الذين يحكمون هذه المرحلة ويسيطرون عليها ،فهم لم يكونوا شيئاً في الوجود ،ولا في السلطة ،بل كان هناك قوم آخرون أورثهم الله الأرض طبقاً لسننه في الكون ،ومضوا كما مضى الذين من قبلهم ،وجاءت بهؤلاء إلى السلطة ظروفٌ موضوعية هيّأت لهم وراثة الأرض ،وسيزولون كما زال غيرهمإن آجلاً أو عاجلاًويبقى الأمر كله لله ...{إِنَّ الأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} تبعاً لتطور مراحل التاريخ التي تنقل الحكم من جيل إلى آخر ،ومن فئة إلى أخرى ،فقد ينتصر الظالمون في معركة ،وقد ينهزم المستضعفون في أخرى ...وهكذا تتحرك سنة الله في الكون على أساس حكمته وتدبيره في ربط المسبّبات بأسبابها ،ولكنّها مجرد مراحل تبدأ وتنتهي دون عمق وامتداد .
العاقبة للمتقين
{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} الذين يجسّدون إرادة الله في إصلاح أمر الحياة في الحكم والشريعة والعقيدة ،على قاعدةٍ صلبةٍ تؤكد للإنسان مفاهيمه الواسعة الثابتة ،وأوضاعه المستقيمة الهادفة ،وتتحرك التقوى في داخله لتستوعب ذلك كله في خطّةٍ حكيمةٍ ممتدة ،يحكم مراحلها الوعيُ والصدقُ والأمانة والإخلاص ...وهكذا يريد الله من المؤمنين أن يعملوا على السير في خط التقوى في حياتهم ،من أجل أن يجعلوا من أنفسهم القيادة الواعية الملتزمة التي تتحمل الصعاب والمشاق والتحديات بروحٍ قويّةٍ صابرة ،لأن مسألة حكم الأرض ،في مواجهة التيار الكافر الضاغط ،ليست مسألة كلمات تقال ،وليست انفعالاً يتشنّج ويصرخ ،أو عبادةً تبتهل وتخشع ،ولكنها المواقف التي تفكّر وتتقدّم وتصبر وتواجه التحديات بروح العزيمة والقوة ،وبإرادة الإيمان والإخلاص الباحث دائماً عن لطف الله وروحه ورضوانه في كل خطوةٍ من خطوات الطريق .