{بِالْعُرْفِ}: بالمعروف ،وهو فعل الخير .
القران يوجه المسلمين من خلال الرسول
وفي هذه الآياتالتي هي ختام السورةحديثٌ مع رسول الله( ص ) في حركة رسالته في نطاق دعوته ،وتوجيهٌ للخطّ السليم الذي يحتوي كل سلبيات الآخرين ،ويسيطر على كل نقاط الضعف الذاتي في نفسه ،وانطلاقةٌ مع الله في حركة روحيةٍ خاشعةٍ ،ودعاءٍ ذاكرٍ ،وتسبيحٍ خائفٍ ،وسجودٍ خاضعٍ ،مع لفتة إيمانية للناس بأن يعيشوا مع القرآن ،في استماعٍ وإنصاتٍ للفكر من أجل الوعي ،وللقلب من أجل الإيمان .
دراسة الواقع الفكري والنفسي لمجال الدعوة
{خُذِ الْعَفْوَ} كخطٍّ عمليٍّ للتعامل مع الناس في أجواء الدعوة ،في ما يواجهه من حالات التشنّج والتمرد ،لأن المسألة لدى الرسول أو الداعية ليست مسألة مزاج يبحث عن منفذٍ للتنفيس ،ولكنها مسألة دعوةٍ تفتش عن مدخل إلى فكر الآخرين للحصول على قناعاتهم ،مما يخلق بعض التعقيد في مواقفهم ،وبعض السلبيات الذاتية في ردود فعلهم ،فلا بد من اتباع الأسلوب الذي يتحرّك بالتوازن في عرض الفكرة ،وبالتسامح في مواجهة ردود الفعل ،وبالتّسهيل والتيسير في إعطاء المسؤوليات ...ولا يكلّفهم من أمرهم عسراً .
{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} وهو المعروف في القول والعمل الذي يعرفه الناس بفطرتهم ولا يستنكرونه بطبيعتهم ،من خلال إدراكهم لارتباطه بمصالحهم ومنافعهم وتنمية أفكارهم وأرواحهم وأجسادهم .وهذا هو الخط الواضح الذي يشمل كل مفردات الشريعة الإسلامية في أخلاقياتها وأحكامها ،في ما تدعو إليه من الارتفاع بإنسانية الإنسان إلى المدى البعيد في الآفاق الواسعة .{وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} الذين لا يتحركون في الحياة من مواقع الوعي للمسؤولية ،ولهذا فإنهم لا ينطلقون للأخذ بأسباب المعرفة ،ليعرفوا من خلال قضايا الخطأ والصواب جوَّ المصلحة والمفسدة في ما يفعلون ويتركون ، مما يؤدي بهم إلى أن يواجهوا الرسالات بأساليب السباب والسخرية والتشويه والتهويل ،بعيداً عن أيّ منطق للحوار أو قاعدةٍ للتفكير ...
فلا بدّ للداعية من دراسة كل هذا الواقع الفكري والنفسي لهؤلاء في عملية التخطيط لمواجهته بالحكمة الواعية ،التي تفرض الإعراض عنهم في أكثر الحالات ،لأن الخضوع لأساليب ردود الفعل يؤدي إلى أن يتحول الموقف إلى ساحة للسباب وللكلمات القاسية ،ويثير العصبية في نفوسهم للباطل ،ويحجب الرؤية عنهم من خلال أجواء الانفعال التي تثير الضباب في الأفكار والمشاعر ،ويُبعد المواقع عن الحصول على مكاسب إيجابية في مصلحة الرسالة ، بينما يؤدّي التعالي عن هذه الأساليب إلى إبعاد الساحة عن أجواء الحقد والبغضاء ،ويفسح المجال لفترةٍ من الهدوء النفسي الذي يبعث على التفكير ،وبالتالي إلى الحوار ،عندما تهدأ الضجة ،ويستعيد هؤلاء بعض عقولهم في مواقع الصراع .