العفو: الذي يأتي من غيرِ كُلفة .
جاءت هذه التوجيهات الربانية إلى الرسول الكريم وأصحابه ،وهم لا يزالون في مكّة المكرمة ،وفي مواجهة المشركين فيها ومواجهة الأعراب من حولهم في الجزيرة وأهل الأرض كافة .
يا محمد ،خذ العفو الميسَّر الممكِنَ من أخلاق الناس في المعاشرة والصحبة ،ولا تطلب منهم ما يشقّ عليهم ،واعفُ عن أخطائهم وضعفهم .ذلك أن التعامل مع النفوس البشرية بغية هدايتها يقتضي سعةَ صدرٍ ،وسماحة طبعٍ ،ويسراً وتيسيرا في غير إفراطٍ ولا تفريط في دين الله ،وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال الكمال والخلق العظيم .
وأمرْ يا محمد بالعُرف ،وهو الخير المعروف ،والعُرف اسمٌ جامعٌ لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس .
وأعرض أيها الرسول الهادي ،عن الجاهلين ،وهم الذين لا تُرجى هدايتهم ،إذ قد يكون إهمالهم والإعراض عنهم أجدى في هدايتهم .
روي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: «ليس في القرآن آيةٌ أجمعَ لمكارم الأخلاق من هذه » .وقال بعض العلماء: تضمنت هذه الآية قواعد الشريعة ،فلم يبق حسنةإلا وعتْها ،ولا فضيلة إلا شَرَحتها .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن عُيَيْنَةَ بن حِصْن ،وكان فيه غلظة وجفاء ،قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: هِيْ يا ابن الخطاب ،أفو اللهِ ما تعطينا الجَزْل ،ولا تحكم فينا بالعدل .فغضب عمر ،حتى همَّ أن يوقع به .فقال له الحُرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين ،إن الله تعالى قال لنبيه: «خُذِ العفوَ وأمرْ بالعُرف وأعرِض عن الجاهلين » وهذا من الجاهلين .
قال ابن عباس: والله ما جوزَها عمرُ حين تلاها عليه ،كان وقّافاً عند كتاب الله .