{يَنظُرُونَ}: ينتظرون .والانتظار: هو الإقبال على ما يأتي بالتوقع له ،وأصله الاقبال على الشيء بوجهٍ من الوجوه .
{تَأْوِيلَهُ}: التأويل: ما يؤول إليه حال الشيء ،وهو «من الأول ،أي الرجوع إلى الأصل » ، كما يقول الراغب .
{شُفَعَآءَ}: الشفاعة: الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه ،وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمةً ومرتبة إلى من هو أدنى .ومنه الشفاعة في القيامة .
التأويل هو الحقيقة الواضحة
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي الكتاب ،في ما تعنيه كلمة «التأويل » من الحقيقة الواضحة التي تكشف عنها الألفاظ في ما ترجع اليه معانيها ،{يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} وهو يوم القيامة الذي تظهر فيه القضايا على حقيقتها بشكل لا يسمح بأي التباسٍ أو اختلاف ،{يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ} وأهملوه ،ولم يتعمقوا في معانيه ،ولم يتحركوا في اتجاه تحويلها إلى برنامج عملي لحياتهم وحياة الناس من حولهم ...وحاولوابدلاً من ذلكأن يثيروا الغبار من حوله ،ويشكّكوا فيه ،وينسبوا آياته إلى البشر ،ويعطوه صفة الأسطورة والخرافة ،ويتهجّموا على الرسل الذين حملوه كرسالةٍ إلهيةٍ إلى الحياة من أجل تنظيمها ،جهلاً منهم أو تجاهلاً واستكباراً ...وها هم اليوم أمام الحقيقة البارزة ،التي تهدّم كلّ ما بنوه من أضاليل ،وما أثاروه من أوهام ،يتراجعون عن تكذيبهم وعن جوّ اللامبالاة الذي كانوا يواجهون به موقف الرسول والرسالة .{قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} فكيف انحرفنا عنه ؟ولكن ماذا نفعل الان ،وكيف نحصل على الأمن ،وما طريقة الخروج من المأزق الذي أوقعنا أنفسنا فيه ؟
هل من شفعاء للذين نسوا الله في الدنيا ؟
{فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ} كما كنا نفعل في الدنيا إذا أخطأنا وواجهنا حساب المسؤولية ،كنا نلجأ إلى الوسطاء الذين تربطنا بهم قرابة أو صداقة أو مصلحة ،فيشفعون لنا لدى أولي الأمر ،ونتخلص بذلك من النتائج السلبية لأعمالنا .فهل هناك وسطاء وشفعاء في الآخرة ليشفعوا لنا ،{أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فيعطينا الله فرصةً ثانية للعمل ،من أجل أن نصحِّح هذا الخطأ ،ونقوّم هذا الانحراف ،ونغيّر المنهج والبرنامج كله ،لتكون حياتنا وفقاً لأمر الله ونهيه ،لنحصل من خلال ذلك على رضاه ،فيدخلنا في رحمته ورضوانه ؟!ولكن الله يرفض هذه التمنيات ،لأن الشفعاء لا يملكون ذاتيّة التصرف في هذه الأمور ،{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [ الأنبياء:28] .فكيف يشفعون لهؤلاء الذين كفروا بالله وآياته ورسله ؟أما قصة العودة إلى الدنيا ،فقد عالجها القرآن أكثر من مرّةٍ ،وأكَّد أنهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه ،لأن مثل هذا التمنّي يخضع لمشاعر اللحظة ،فإذا انفصلوا عنها رجعوا إلى أوضاعهم السابقة .وهذا ما جعل الآية تختم الموقف بالإعلان عن خسارتهم لأنفسهم:{قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} لأنهم لم يحصلوا من كل حياتهم على شيءأيّ شيءولم تنفعهم افتراءاتهم شيئاً من قريب أو من بعيد .