/م52
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُه} أي ليس أمامهم شيء ينتظرونه في أمره إلا وقوع تأويله .وهو ما يؤول إليه ما أخبر به من أمر الغيب الذي يقع في المستقبل في الدنيا ثم في الآخرة .فالنظر هنا بمعنى الانتظار .وتأويل الكلام كتأويل الرؤيا هو عاقبتهما ، والمآل الذي يتحقق به المراد منهما ، وتقدم في أول تفسير آل عمران تفصيل الكلام فيه .روي عن قتادة في تفسير{ هل ينظرون إلا تأويله} قال عاقبته ، وعن السدي قال عواقبه مثل وقعة بدر ويوم القيامة وما وعد فيه من موعد ، وعن الربيع بن أنس قال:لا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتم تأويله يوم القيامة حين يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيتم تأويله يومئذ إلخ فجمع كلامه كل ما له مآل يُنتَظَر من أخبار القرآن الصادقة التي وعد وأوعد بها كلا من المؤمنين من نصر وثواب ، والكافرين من خذلان وعقاب ، وغير ذلك من أنباء الغيب .
{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْل} أي يوم يأتي كل تأويله ونهايته في يوم القيامة وتزول كل شبهة يقول الذين نسوه في الدنيا أي تركوه كالمنسي فلم يهتدوا به{ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ} أي بالأمر الثابت المتحقق فتمارينا به وأعرضنا عنه حتى جاء وقت الجزاء عليه{ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَل غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أي يتمنون أحد هذين الأمرين ، فالاستفهام هنا للتمني ويحتمل أن يكون على أصله فيقع قبل دخول النار وبعد اليأس فيها من الشفعاء ، حيث يقولون فيها كما في سورة الشعراء:{ فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين} ( الشعراء 100- 102 ) وقد تقدم في سورة الأنعام أنه يقال لهم:{ وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء} ( الأنعام 94 ) الآية وإنما يتمنون الشفعاء أي يتساءلون عنهم أولا لأن قاعدة الشرك الأساسية أن النجاة عند الله وكل ما يطلب منه إنما يكون بواسطة الشفعاء عنده .وعندما يتبين لهم الحق الذي جاءت به الرسل وهو أن النجاة والسعادة إنما تكون بالإيمان الصحيح والعمل الصالح ، ويعلمون هنالك أن الشفاعة لله وحده ، فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ،{ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} ( الأنبياء 28 ) يتمنون لو يردون إلى الدنيا ، فيعملوا فيها غير ما كانوا يعملون في حياتهم الأولى ، لأجل أن يكونوا أهلا لمرضاته تعالى بأن يعملوا بما أمرتهم به رسله عليهم السلام .وقد تقدم في آيتي 27 و28 من سورة الأنعام تمنيهم لو يردون إلى الدنيا فيكونوا من المؤمنين ، وأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون .
{ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُون} هذا بيان ومن الله تعالى لحالهم وغاية تمنيهم يقول:قد خسروا أنفسهم في الدنيا بتدسيسها وتدنيسها بالشرك والمعاصي ، وعدم تزكيتها بالتوحيد والفضائل والأعمال الصالحات ، فلم يكن لها حظ في الآخرة ، ويومئذ يضل ويغيب عنهم ما كانوا يفترون من خبر الشفعاء كقولهم في معبوداتهم{ هؤلاء شفعاؤنا عند الله} ( يونس 18 ) فلم يكن لهم من عوض عن أنفسهم .وقد تقدم تفسير خسران النفس في ( س 6:12 و20 ) وتفسير{ وضل عنهم ما كانوا يفترون} في ( 6:24 ) ونحوها:{ وما نرى معكم شفعاءكمإلى قولهوضل عنكم ما كنتم تزعمون} ( الأنعام 94 ) .