{وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} لأن الوجود كله في حركته خاضع لمشيئة الله الذي خلق الأسباب وربط بها المسببات في تخطيط النظام العام للكون وللإنسان والحياة ،فلكل ظاهرةٍ قوانينها ،ولكل موجودٍ دائرته التي يتحرك فيها من خلال الخصائص المودعة فيه ،ولكل حركةٍ ظروفها المعيّنة ،وللإنسان في مشيئته لأفعاله أسبابه الخاضعة للقانون العام الذي جعله الله لوجوده في علاقته بكل الأشياء من حوله وفي تأثره بها ،وفي خضوع اختياره لها ،في ما تحركه من عناصرها على الصعد الذهنية والنفسية ،وغير ذلك مما يخضع لمشيئة الله .ولكن ذلك لا يلغي عملية الاختيار التي تجعل الأفعال صادرةً عنه بلا واسطة ،لأن المسألة هي أن الله أراد للإنسان أن يشاء في ما أودعه فيه من حوافز المشيئة ودوافعها ،في الوقت الذي تتعلق المشيئة فيه بالأشياء من موقع الإرادة الحرّة ،وقد لا نحتاج إلى التأكيد بأن تأثّر المشيئة بالظروف المحيطة بالإنسان لا يمنع انطلاق الإرادة بحرية ،لأن طبيعة الظروف لا تلغي الحرية كمبدأ .
وقد يكون الحديث عن تبعيّة المشيئة الإنسانية للمشيئة الإلهية للإيحاء الدائم بحاجة الإنسان لله وارتباطه به وانفعاله بإرادته ،لئلا يتصور بأنه يملك الاستقلال المطلق من خلال شعوره بحرية الحركة في أفعاله من خلال حرية الإرادة .
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} في ما يتضمنه العلم ،وتوحي به الحكمة من إحاطة الله بكل شيء من حياة الإنسان ،وتدبيره الدقيق من جهة ما يخططه له من شؤونه العامة والخاصة في حياته ،ما يجعل الإنسان واثقاً بأنه يتصرف في وجوده من موقع الرعاية العليمة الحكيمة من الله .