{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} .إنها الدّعوة لأن يواجه المؤمنون المشاكل الفردية والاجتماعية الناشئة من بعض الانحرافات الفكرية والعملية التي تؤدّي إلى نتائج سلبيةٍ في حركة الحياة ،وذلك بالتعامل معها من موقع المسؤولية العامة الواعية للقاعدة الاجتماعية التي تحكم مسيرة المجتمع في سلبيّاته وإيجابيّاته ،فلا تقتصر في تأثيراته على الناس الذين يقومون بها ،بل تمتد إلى كل أفراد المجتمع ،لأن علاقات الناس ومصالحهم متشابكة .ولهذا فإننا نجد الخلافات التي تحدث في دائرةٍ ضيقة من دوائر المجتمع ،لا تقتصر على تلك الدائرة ،بل تتعداها إلى بقية الدوائر التي تتصل بها ،أو تتأثر بها شعورياً أو فكرياً ،مما قد يدخل في نطاق العدوى ،أو التفاعل اللاشعوري بحكم الترابط الوثيق بين أفراده .ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،هو الطابع الحركي للمجتمع الإسلامي ،في ما يدفع إليه من تحمُّل مسؤولية الآخرين في ما ينحرفون به ،حتى في المجالات البعيدة عن واقع الآمرين والناهين ،لأن القضية لا تخص الفاعلين المنحرفين ،بل تمتد إلى بقية قطاعات المجتمع بطريقةٍ وبأُخرى ،فلا يمكن لأفراده أن يواجهوه مواجهة اللامبالاة تحت شعار تقييد حرية الآخرين الفردية ،لأن هناك نوعاً من أنواع حرية الأفراد قد يلغي حرية المجتمع كله .وهذا ما عبَّرت عنه الكلمة المأثورة: «لتأمرنّ بالمعروف ،ولتنهُنَّ عن المنكر ،أو لَيسلّطنَّ الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم ،فلا يستجاب لهم »[ 3] ..وهذا ما أرادت هذه الفقرة من الآية أن تشير إليه ،فتحذّر المؤمنين من الفتنة التي إذا انطلقت ،فإنها لا تصيب الذين أثاروها وأوقدوا نارها من هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الناس ،بل تتعداهم إلى غيرهم ،كنتيجةٍ طبيعيةٍ لترابط القضايا والمشاكل الاجتماعية ،ووحدة مصير أفراد المجتمع .
دعوة المسلمين لتذكر نعم الله عليهم
وإذا كان التحذير متوجّهاً إلى المجتمع ككلّ في مواجهة الفتنة التي يثيرها الظالمون ،فإنه يتوجّه إلى هؤلاء الذين يثيرونها بشكل أكيد ،لأنّ المسؤولية الكبرى هي مسؤوليتهم بالذات في ما يتحملونه من النتائج السلبية في الدنيا والآخرة .{وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ،فاحذروا أيها المؤمنون عقاب الله .