يحذر تعالى عباده المؤمنين ) فتنة ) أي:اختبارا ومحنة ، يعم بها المسيء وغيره ، لا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب ، بل يعمهما ، حيث لم تدفع وترفع . كما قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا شداد بن سعيد ، حدثنا غيلان بن جرير ، عن مطرف قال:قلنا للزبير:يا أبا عبد الله ، ما جاء بكم ؟ ضيعتم الخليفة الذي قتل ، ثم جئتم تطلبون بدمه ؟ فقال الزبير - رضي الله عنه -:إنا قرأنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت .
وقد رواه البزار من حديث مطرف ، عن الزبير ، وقال:لا نعرف مطرفا روى عن الزبير غير هذا الحديث .
وقد روى النسائي من حديث جرير بن حازم ، عن الحسن ، عن الزبير نحو هذا .
وروى ابن جرير:حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن قال:قال الزبير:لقد خوفنا بها ، يعني قوله [ تعالى] ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ظننا أنا خصصنا بها خاصة .
وكذا رواه حميد ، عن الحسن ، عن الزبير ، رضي الله عنه .
وقال داود بن أبي هند ، عن الحسن في هذه الآية قال:نزلت في علي ، وعثمان وطلحة والزبير ، رضي الله عنهم .
وقال سفيان الثوري عن الصلت بن دينار ، عن عقبة بن صهبان ، سمعت الزبير يقول:لقد قرأت هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإن نحن المعنيون بها:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )
وقد روي من غير وجه ، عن الزبير بن العوام .
وقال السدي:نزلت في أهل بدر خاصة ، فأصابتهم يوم الجمل ، فاقتتلوا .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) يعني:أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .
وقال في رواية له ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية:أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم إليهم فيعمهم الله بالعذاب .
وهذا تفسير حسن جدا ؛ ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) هي أيضا لكم ، وكذا قال الضحاك ، ويزيد بن أبي حبيب ، وغير واحد .
وقال ابن مسعود:ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، إن الله تعالى يقول:( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) [ التغابن:15] فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن . رواه ابن جرير .
والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم - وإن كان الخطاب معهم - هو الصحيح ، ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن ، ولذلك كتاب مستقل يوضح فيه إن شاء الله تعالى ، كما فعله الأئمة وأفردوه بالتصنيف ومن أخص ما يذكر هاهنا ما رواه الإمام أحمد حيث قال:
حدثنا أحمد بن الحجاج ، أخبرنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أنبأنا سيف بن أبي سليمان ، سمعت عدي بن عدي الكندي يقول:حدثني مولى لنا أنه سمع جدي - يعني عدي بن عميرة - يقول:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:إن الله - عز وجل - لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة .
فيه رجل مبهم ، ولم يخرجوه في الكتب الستة ، ولا واحد منهم ، والله أعلم .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا سليمان الهاشمي ، حدثنا إسماعيل - يعني ابن جعفر - أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهل ، عن حذيفة بن اليمان ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم .
ورواه عن أبي سعيد ، عن إسماعيل بن جعفر ، وقال:أو ليبعثن الله عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم .
وقال أحمد:حدثنا عبد الله بن نمير ، قال حدثنا رزين بن حبيب الجهني ، حدثني أبو الرقاد قال:خرجت مع مولاي ، فدفعت إلى حذيفة وهو يقول:إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصير منافقا ، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات ؛ لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتحاضن على الخير ، أو ليسحتنكم الله جميعا بعذاب ، أو ليؤمرن عليكم شراركم ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم .
حديث آخر:قال الإمام أحمد أيضا:حدثني يحيى بن سعيد ، عن زكريا ، حدثنا عامر ، قال:سمعت النعمان بن بشير - رضي الله عنه - يخطب يقول - وأومأ بإصبعيه إلى أذنيه - يقول:مثل القائم على حدود الله والواقع فيها - أو المدهن فيها - كمثل قوم ركبوا سفينة ، فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها ، وأصاب بعضهم أعلاها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم ، فقالوا:لو خرقنا في نصيبنا خرقا ، فاستقينا منه ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا .
انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ، فرواه في "الشركة "و "الشهادات "، والترمذي في الفتن من غير وجه ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن عامر بن شراحيل الشعبي ، به .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا حسين ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن ليث ، عن علقمة بن مرثد ، عن المعرور بن سويد ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:إذا ظهرت المعاصي في أمتي ، عمهم الله بعذاب من عنده . فقلت:يا رسول الله ، أما فيهم أناس صالحون ؟ قال:بلى ، قالت:فكيف يصنع أولئك ؟ قال:يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا حجاج بن محمد ، أخبرنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:ما من قوم يعملون بالمعاصي ، وفيهم رجل أعز منهم وأمنع لا يغيرون ، إلا عمهم الله بعقاب - أو:أصابهم العقاب .
ورواه أبو داود ، عن مسدد ، عن أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، به .
وقال أحمد أيضا:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق يحدث ، عن عبيد الله بن جرير ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، هم أعز وأكثر ممن يعمله ، لم يغيروه ، إلا عمهم الله بعقاب .
ثم رواه أيضا عن وكيع ، عن إسرائيل - وعن عبد الرزاق ، عن معمر - وعن أسود ، عن شريك ويونس - كلهم عن أبي إسحاق السبيعي ، به .
وأخرجه ابن ماجه ، عن علي بن محمد ، عن وكيع ، به .
[ حديث آخر] وقال الإمام أحمد:حدثنا سفيان ، حدثنا جامع بن أبي راشد ، عن منذر ، عن حسن بن محمد ، عن امرأته ، عن عائشة تبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -:إذا ظهر السوء في الأرض ، أنزل الله بأهل الأرض بأسه . قالت:وفيهم أهل طاعة الله ؟ قال:نعم ، ثم يصيرون إلى رحمة الله .